مقالات الشيخ سلطان البصيري

المحاكم الرياضية ومحاكمة اللاعب && للشيخ سلطان البصيري

المحاكم الرياضية أمرٌ ومحاكمة اللاعب أمر آخر ، فالمحاكم الرياضية هي إحدى الجهات التي تُعنى بالنظر في مخالفات اللاعب ، وقد كثر الحديث عنها في هذه الأيام ، والمقصود بالمحاكم الرياضيّة أحد معنيين ؛ أولهما يدلّ على ما لا غبار في مشروعيته في القضاء الإسلامي ، وهو تخصيص محاكم للقضايا المتعلّقة بالرياضة ، كالمحاكم التجارية والجزائية والإدارية والعمّاليّة وغيرها ، وفي التخصيص يقول صاحب زاد المستقنع رحمه الله في كتاب القضاء عن الحاكم : (ويجوز أن يولى عموم النظر في عموم العمل وأن يولي خاصا فيهما أو في أحدهما ) انتهى ، أي نظر عامة القضايا في عامة الأقاليم أو تخصيص القضايا والأقاليم أو أحدهما ، والمعنى الثاني للمحاكم الرياضية يدل على الحكم بالقوانين والأنظمة الرياضية في كل ما يتعلّق بالرياضة ومنسوبيها ، وهذا لا يخفى أنه يؤول إلى تنحية الشريعة الإسلامية والحكم بغير ما أنزل الله.

وأما محاكمة اللاعب فهي تلك الإجراءات التي تتولاها الجهة التي تنظر في مخالفات اللاعب ، ويُمكن تحديدها بالنظر في المسؤولية عن الخطأ الناتج عن فعله لأن لها دوراً كبيراً في تحديد جهة الاختصاص لمحاكمته ؛ إن كان القضاء أو مرجعه ، ولعلّ من نافلة القول بيان أن المسؤولية تحدّد جهة الاختصاص أمرٌ تقرّه جميع دول العالم ليس من حكم الشريعة الإسلامية فحسب.

وكنت قد كتبت مقالاً عنوانه (تحديد جهة الاختصاص لمحاكمة الإعلاميين ) وقد بيّنت فيه أنه لابدّ لتوضيح من الحديث عن المسؤولية ، فأقول إن المسؤولية تنشأ عن الفعل من خلال الخطأ في تنفيذ التزام سابق بغضّ النظر عن مصدر هذا الالتزام ، ومصدر الالتزام إما أن يكون أدبياً متمثلاً في آداب الشريعة وأعراف الناس ،أو قانونياً متمثلاً في القانون أو النظام.

فإن كان الخطأ أدبياً ، فالجزاء المترتب على هذا الخطأ جزاء أدبي يتمثّل في تأنيب الضمير أو استهجان المجتمع ، أو جزاء ديني يتمثّل في العقاب الأخروي.

والمسؤولية الأدبية معيارها حسن النية أو سوءها ، ولكن مما يُميّز هذه المسؤولية أنها قد تتحقق بالخطأ دون إلحاق ضرر بأحد.

وإن كان الخطأ قانونياً فالجزاء المترتب على هذا الخطأ جزاء قانوني ، فإذا كان إخلال صاحبه يمس المجتمع بأكمله كانت مسؤوليته جنائية ، وإن كان إخلاله يتطلب تعويضاً ترتّب على إخلال بما يمس مصلحة شخص طبيعي أو اعتباري كانت مسؤوليته مدنية ، وقد تجتمع المسؤوليتان باجتماع الإخلالين كما في جرائم القتل ونحوها.

والمسؤولية القانونية معيارها الإخلال بالالتزام القانوني.

أما المسؤولية القانونية الجنائية فلا تنشأ إلا بعد اجتماع ركني الجريمة المادي والمعنوي ؛ المادي المتمثل في النشاط الإجرامي بوجود فعل ونتيجته وعلاقة بين الفعل والنتيجة ، والمعنوي المتمثل في القصد الجنائي.

وأما المسؤولية القانونية المدنية فهي مسؤولية تنشأ عن إخلال بالتزام سابق اشتملت على تقصير وضرر وعلاقة بينهما تُثبت أن هذا التقصير سبب في حدوث الضرر ، بيد أن مصدر الالتزام في المسؤولية القانونية المدنية قد يكون عقداً بين المخطئ والمتضرر وقد يكون المصدر بينهما القانون أو النظام في صورة تكاليف عامة تُفرض على المجتمع كافة ، فإن المسؤولية القانونية المدنية تأخذ شكلين يُعتبران أقساماً لها ، فتكون مسؤولية مدنية عقدية في حال كون مصدر الالتزام بين المخطئ والمتضرر عقداً ، وتكون مسؤولية مدنية تقصيرية في حال كون مصدر الالتزام القانون أو النظام كما تقدّم.

أما إخلال اللاعب بشيء مما عهد به إليه مرجعه ، فإن هذا الإخلال إن لم تنشأ عنه مسؤولية جنائية أو مدنية فهو مخالفة إدارية يستحق إثْرها المساءلة والعقوبة مسلكياً من مرجعه ، وهذا يسوقنا للقول بالتفصيل تجاه إخلال اللاعب ، فليس صحيحاً أن يُقال أي قضيّة لاعب لا ينظرها إلا مرجعه ، بل يُقال أي مخالفة من اللاعب لم تنشأ عنها مسؤولية قانونية جنائية أو مدنية لا ينظرها إلا مرجعه ، ولو أخذنا برأي من يقول إن أي قضيّة لاعب هي من اختصاص مرجعه لأهدرنا النظر فيما يترتب على المسؤولية القانونية الجنائية والمدنية.

ولمزيد من الإيضاح أورد هذا المثال ، وبالمثال يتضح المقال ، فلو أن موظفاً مثلاً قتل شخصاً أو سرق ماله فمن حقّ مرجع الموظف محاسبته مسلكيّاً ، ومن حق المتضرّر من فعل الموظف أن يلجأ للقضاء لتطبيق حكم الله تعالى إن حدّاً كان أو تعزيراً.

وفي الختام وعوْداً على بدء أقول : إن كان المقصود بالمحاكم الرياضية تخصيص النظر وتفريغ قضاة شرعيين مُطّلعين على الأنظمة الرياضية لذلك فلا بأس بذلك شرْعاً ، كالمحاكم التجارية والجزائية والإدارية والعمّاليّة ، وأما إن كان المقصود الحكم بالقوانين والأنظمة المخالفة للشريعة الإسلاميّة فلا يخفى عدم جواز ذلك وأنه تنحية لأحكام الشريعة الإسلاميّة.

سلطان بن عثمان البصيري

www.sbusairi.blogspot.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى