الاستاذ الجامعي بين التدريس و البحث العلمي && للدكتور فارس العنزي

الاستاذ الجامعي بين التدريس و البحث العلمي
د. فارس قليل العنزي
لماذا يدخل الاستاذ الجامعي إلى الحياة الأكاديمية؟ ما هي طموحاتهم وتوقّعاتهم؟ وكيفَ يزيدون تجربتَهم وإنجازاتهم على المدى القصير والطويل؟ وما هي المسافة التي يجب أن يتحركوها نحو التناسب مع سوق العمل؟ وماذا يمكن أن يفعلوا لتحسين وتطوير مسيرتهم المهنية؟ وما هو المدى المعقول للاستقلالية التي يمكن أن يحققوها؟ وما هي القضايا الرئيسية التي ينبغي للأكاديميين والأكاديميين الطموحين الاهتمام بها؟
بصورة أساسية يكرس الأكاديميون وقتهم من أجل القيام بثلاث مهام رئيسية: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، حيث أن التدريس والبحث هما المهمتان الرئيسيتان. وبالرغم من أن الفعالية الأكاديمية هي المهمة الأساسية، فإن الإدارة في المعاهد العليا تعتمد النشاط البحثي كعامل تقييم لترقية الأكاديميين في معظم دول العالم. إن طبيعة العلاقة بين النشاط البحثي وعملية التدريس هي معضلة أبدية تواجه بنية المعاهد العليا وتحدد مستقبلها كذلك. وهذه المعضلة قد تزعج أعضاء هيئة التدريس وخصوصا المستجدين منهم أثناء رحلة ترقيتهم إلى مرتبة أستاذ (بروفسور). ولذ فإن من المهم وجود توافق وملائمة بين اهتمامات ومقدرات الأكاديميين وبين الأقسام التي ينتمون إليها. إن وضع السياسات التي تضمن التكامل بين العملية التدريسية والعملية البحثية هو مسؤولية المؤسسة التعليمية وبذلك تصل المعاهد العليا إلى استقرار الأكاديميين مما ينعكس إيجابياً على مساهمتهم نحو كلا المهمتين، المهمة التعليمية و معدل الإنتاج البحثي.
إن المنصب الأكاديمي يمكن أن يستمر مدى الحياة. وعليه فإن من المهم جود تناسب بين اهتمامات وقدرات الأكاديميين وبين اهتمامات القسم الذي يعملون فيه أو يفكرون بالعمل فيه. إن مؤسسات التعليم العالي التي تحرس الحرية الأكاديمية تواجه تحدي إنجاز ثلاثة أهداف أساسية وهي أولاً: تعليم شاغلي المهن والمناصب المختلفة، ثانياً: القيام بالأبحاث لحل واستكشاف الفرضيات المبتكرة والإبداعية، ثالثاً: تقديم الخدمات على شكل مجموعات من المتعلمين. لقد جذبت هذه الأسباب كلاً من الذكور والإناث إلى المهن الأكاديمية وذلك لمزاولة التحدي الثقافيِ و حرية ملاحقة اهتماماتهم التي يعشقونها في بيئة من الحرية الثقافية والاستقلالية الفكرية. إن التدريس هو مركز الإنجازات المتوقعة من الأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي وفي ذات الوقت يرى الأكاديميون أنهم باحثون في المقام الأول. وعليه فإن عضو هيئة التدريس ليكون أستاذاً جيداً عليه القيام بترجمة الأبحاث الجارية إلى معلومات معاصرة يدرسها للطلاب. علاوة على ذلك، فإن القيام بالأبحاث ضروري من أجل التدريس لأن ما يقوم الأستاذ بتدريسه هو ما يجعل الماضي يتكلم مع الحاضر بصوت إيجابي. وهذا ما يوضّح لماذا لا يمكن لأعضاء هيئة التدريس أن يكونوا مدرسين جيدين ما لم يكنوا علماء جيدين.
إن أساتذة الكليَّات يُنظّمون ويؤدون وظائف التعليم العالي كما ينخرطون في تشكيلة من النشاطات المتنوعة ، من تجارب المختبرات والإشراف على أبحاث طلاب الدراسات العليا، إلى إجراء محاضرات كبيرة لطلاب البكالوريوس، ويؤلفون الكتب والمراجع الدراسية. بإستثناء الساعات التدريسية المحددة التي يمكن أن تَستهلك حوالي ثلاثة ساعات إسبوعياً في كليات الدراسات العليا أو حوالي إثنا عشر إلى ست عشرة ساعة بالأسبوع لطلاب مرحلة البكالوريوس فإن وقت الأستاذ ينصرف بشكل كبير على البحث العلمي، وإعداد المادة العلمية للتدريس، و مفابلة الطلاب وغير ذلك. وعليه فإن هذه المهنة تناسب أفضل ما تناسب أولئك الأشخاص الذين يتمتعون بالتحفيز والدافعية الذاتية كما أن أكبر جائزة يخرجون بها هي مقدرتهم على اكتشاف الإجابات للمشكلات الأصلية كل في مجال تخصصه. إن الأساتذة الدائمين يتميزون بقدر كبير من الأمان الوظيفي والحرية في إنجاز أعمالهم فبمجرد الترقية إلى أستاذ (بروفسور) فإنه يحدد مسؤولياته بنفسه ويقرر بنفسه كيف يوزع وقته بين التدريس و الكتابة والبحث، والأعمال الإدارية. إن السنوات الأكثر صعوبة للأستاذ الجامعي هي السنوات الأولى، حيث هناك ضغط عظيم على الأستاذ لنشر كم متميز من الأعمال البحثية لتَأسيس نقاط عالية تؤدي إلى ترقيته إلى استاذ (بروفسور). على أية حال، فإن عمل الأستاذ المستجد والأستاذ القديم متماثل جداً، كما توفر المهنة تحفيزاً وحرية ثقافيةً لكل أعضائها. تبدأ الآن بعض الكليّات الطبية بصدق التعامل مع الإمداد الزائد من درجاتِ الدكتوراة وذلك بطرق متنوعة في كافة أنحاء العالم كما أن العديد من الكليات تَعمل حالياً على هذه المهمة الصعبةِ جداً.
معضلة علاقة التعليم بالبحث:
إن مسألة البحث مقابل التدريس هي معضلة المدرب الجامعيِ الأبديّةِ لطلاب البكالوريوس كما أن التنقل بين هذين النشاطين هو توازن حساس يقوم به أكثر أعضاء هيئة التدريس. نظرياً، يجب أن يكون هناك تكامل بين إجراء البحوث الأصلية وبين ينقل المعرفة إلى الطلاب خلال عملية التدريس. عملياً، على أية حال، لا يزال هذا المفهوم جدالياً حتى الآن في النطاق الأكاديمي. يتطلب البحث الأكاديمي الممتاز كتابة الاقتراحات للتمويل، والإشراف على الطلاب الخريجين، والتخطيط وتنفيذ البحث وحضور المؤتمرات وتَقديم البحث فيها، وكتابة الأوراق العلمية. أما العملية التدريسية الممتازة فتتطلب التخطيط وتحديث الدروس، وتطوير المنهج، وتكليف الطلاب بمهام وواجبات صعبةَ لكن عادلةَ و ملائمة، وضع وتصحيح الامتحانات، والتعامل مع مشاكل الطالب الشخصية والأكاديمية.
لكي تصنف الجامعة وتصبح من الفئة العالمية استناداً إلى نوعية تعليمها، فإن الأكاديميين في هذه الجامعة يجب أن يساهموا في توسيع حدود المعرفة الإنسانية بنجاح (ومثال على ذلك:أن يفوزوا بجائزة نوبل و يسجلوا بعض الاختراعات) وذلك من خلال أداء أبحاث رائدة. وعليه فإن الحكومات تعتمد على الجامعات لكي تكون رائدة في الإبداع والاختراع في الحقول المختلفة للأبحاث، وتنادي الأوساط العلمية بضرورة أن يبقى عضو هيئة التدريس ملتزماً بواجبه تجاه المعرفة من منظور اهتماماته، ويبقى التحدي الرئيسي كيف يوازن الاستاذ الجامعي بين عمليتي التدريس وإجراء الأبحاث. بالإضافة إلى ذلك تعتمد الترقيات عادة على البحثِ والنشر أكثر من التدريس. يجب أن لا يسبب النجاح في مهمة واحدة من مهمتي التدريس أو البحث إهمال المهنة الأخرى. في عالم مثالي، كلتا المهمتين يجب أن تساهم في نجاح وتطوير بعضهم البعض لكي تساعد الاستاذ الجامعي في أداء الوظيفة المزدوجة وتوصيل المعرفة إلى المبتدئين ليستفيدوا منها في مِهَنِهم.
إن الأكاديميين الذين يحركون المؤسسات إلى نصف الطريق نحو النجاح خلال مسيرتهم المهنية يجب أن يتفاوضوا، قبل قبول شروط العمل الخاصة بتحديد مستواهم والاتفاق على الدعم المالي الداخلي للبحث وتوفير طاقم الموظفينِ.غالباَ بمجرد بداية العمل لا توجد فرصة للتفاوض. بشكل عام يمكن أن يصنف أعضاء هيئة التدريس إلى أربع مجموعات: 1) أولئك الذين هم ممتازون في كلا المهمتين التدريس والتعليم (وهذا نادر)؛ 2) الباحثين المتفانين (لا إنجاز حقيقي في التدريس حيث يكتفون فقط بالحد الأدنى)؛ 3) المعلمين المتفانين (يهتمون بالبحث قليلاً، البعض نشيطون في الثقافة التربوية، وكتابة النصوص والبرامج التعليمية، وقد يطور طرق تعليمية جديدة، ويحضر مؤتمرات ذات علاقة بالتدريس ويهتم بالنشر في المجلات التربوية)؛ 4) أغلبية الأكاديميين (أكثر أعضاء هيئة التدريس يحترمون ويتمتّعون بكلا المهمتين التدريس والتعليم، لكن الوقت أو قيود القسم الداخلية تجبرهم على وضع مجهودهم في أحد المهمتين دون الأخرى).
د. فارس بن قليل العنزي
استشاري وأستاذ علم المناعة المشارك
جامعة الخرج
http://faculty.ksu.edu.sa/24488/arabic/default.aspx