خطب الشيخ سعد السبر

عيد الكرسمس – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الحمد لله الذي أمدَّ لَنَا النِعمَةَ وأَبْقَاهَا ، وأَبْعَدَ عَنَّا النِقمَة وأَرْدَاهَا ، نحمدهُ أَنْ هَدَانَا للرِّسَالة ، وجَنَّبنَا سُبلَ الضَلالَة ، ونشكرهُ على ما أَمنَّ بهِ مِن وافِرِ العَطَاء ، ونعوذ بِهِ من جهْدِ البلاء ، ودَرَكِ الشَّقاء ، وشمَاتَةِ الأعْدَاء ، وأشْهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له في ألوهيَّته وفي ربوبيَّته وفي أسمائه وصفاته ، تنزَّه عن النِدِّ وعن الشبيهِ ، وعن المثيلِ وعن النظير ، ليسَ كمثْلِهِ شيءٌ وهُو السَّميعُ البَصيرْ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، صلَّى الله عليهِ وعلى آلهِ وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يومِ الدِّين.

أمَّا بعد : فأوصيكُم أيها النَّاس ونفسي بتقوى الله ، فهي لجامُ النُّفُوس وزمَامُهَا ، ومرَدُّ القلوب وذروةُ سنامِهَا ، ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )(1)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوْا رّبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءَ وَاتَّقُوْا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُوْنَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَا ) .(2)

أيُّها المسلمون : لقد شرع الله للمسلمين أعياداً تُكَمِّل فرحةَ المسلمِ ، وتزيدُ من فألهِ بربِّه .

فَإنَّ عَلِيَّاً – رضي الله عنه- قال: (أَجِمُّوا النُّفوسَ فإنَّها تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأبْدَان ) .

وقد ظهر في هذه الأزمنة كثير من البدع والخرافات ، التي لاتَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، بل هي مجرَّدُ بِدَعٍ َوضَلالات ، تُعرَضُ بين الفَيْنةِ والأخرَى ، ويلهث وراء هذه البدع كثير من المسلمين ،

وهذا والله من غشاوة البَصَر ، وعَمَى البَصِيرة ، فقد جاء في الصحيح ، من حديث جابر ، أنَّ الرسول قال في إحْدَى خطبه : (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) ، وفي روايةٍ للنسائي (وكل ضلالة في النار ) . وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي ، أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، وفي رواية في الصحيحين ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهوَ رد ) ، وبهذا يتَّضح أن كلَّ مُحدَثٍ في الدِّين ، مِمَّن ليس من جنسه ، فهو بدعة محضة .

وسَيُقْبْلُ عيدٌ بدعِيٌ من أعياد النصارى بعد عِدَّة أيام

حديث أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: (قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما يوم الفطر والأضحى) رواه النسائي وابن حبان

واحتفال المسلمين بهذا العيد لا يجوز أبداً بأي وسيلة من الوسائل كما ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ في مجموع الفتاوى حين سُأل : ( بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم فما توجيهكم ؟

فأجاب: لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم ، بل يَجِبُ ترك ذلك ، لأن من (تشبه بقوم فهو منهم ) والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم ،فعَلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء ، لأنها أعيادٌ مخالفة للشرع ، فلا يجوز الاشتراكُ فيها ، ولا التعاون مع أهلها ، ولا مساعدتهم بأي شيء ، لا بالشاي ولا بالقهوة ، ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ، ولأن الله سبحانه يقول : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوعٌ من التعاون على الإثم والعدوان ) (أ.هـ)

وعلة النهي عن التشبه بالكافرين : إذ المشابهة ولو في أمور دنيوية تورث المحبة الموالاة قال ابن تيمية: “لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم” فإذا كانت المشابهة في أمور دينية فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة لهم تنافي الإيمان.

والنساء أكثر الناس غواية وضلالا في هذا العيد فاتقين الله في أنفسكن واحذرن من الفتن وتداعيتها فإن الرسول قال عنكن أنكن أكثر حطب جهنم.

قال تعالى في وصف عباد الرحمن (والذين لا يشهدون الزور) . قال ابن سيرين: هو الشعانين (عيد من أعياد النصارى). وقال مجاهد: أعياد المشركين ونحوه مروي عن الضحاك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) .(3)

كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر”.

ومن صور المشاركة: التهنئة ؛ وذلك بأن يهنئ المسلم بعض الكفار على أعيادهم ، وهذا يقع فيه الكثير من موظفي الشركات التي يعمل فيها عدد كبير من النصارى ، فإنك لتسمع تبادل التهاني ، بل ربما يصل الأمر إلى إرسال بعض المسلمين بطاقات التهنئة لبعض الكفار بمناسبة أعيادهم.

وهذا ـ يا عباد الله ـ منكر عظيم وحرام كبير، قال الإمام العلامة ابن قيم الجوزية_ رحمه الله_

تعالى في كتابه أحكام أهل الذمة ، قال رحمه الله: “أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنئهم بأعيادهم، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه” انتهى كلامه رحمه الله.

ومن المنكرات التي تحصل في هذه الأعياد الكفرية ـ وهذا يحصل في عيد رأس السنة الميلادية ـ أنهم يملؤون كؤوس الخمر ليلة رأس السنة، ويبلغ الانحلال أقصاه ـ كما يقولون ـ في ساعة الصفر، وهي الساعة الثانية عشرة ليلاً، حيث تطفأ الأنوار في تلك الساعة، ليتمكن شياطين الإنس من ممارسة ومقارفة معصية الله تبارك وتعالى، ففي تلك اللحظة يستباح المحظور جهرًا، وتدب رعشات الرذيلة والوقاحة، حقًا إنها ساعة الصفر من العرض والشرف، إنها لحظة الصفر من البناء الخلقي والدين، إنها لحظة الصفر من الرجولة والحياء، فهل هذا عيد يمكن أن ينسب إلى نبي من أنبياء الله؟!

وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) .(4)

_________________________________

(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .

(2) النساء ، آية 1

(3) الحج :67

(4) الممتحنة :1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى