خطب الجمعهخطب الشيخ محمد بن حمد السبر

الانتخابات- خطب الجمعة

خطبة الجمعة

الانتخابات

للشيخ محمد بن حمد السبر

 25/10/1432
الموقع الرسمى للشيخ

الخطبة الاولى
الحمد لله نحمده ونستعينه … أما بعد :

اتقوا الله عباد الله, واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون, اجعلوا التقوى لكم شعارا ودثارا, وتلبسوا بها ليلا ونهاراً, جهرا وإسراراً, اجعلوها لتصرفاتكم حكماً, ولآرائكم منهجاً وسلماً, ولحياتكم كلها مرجعاً ومناراً.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ) (1) وطلبه منكم وأوجبه عليكم .

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (2)

أيها الإخوة المؤمنون :

لقد أمرنا الله بالسعي والعمل, وحثنا على الجد والاجتهاد والإنتاج وترك التواكل والتسويف والكسل. كل ذلك لنعمر الحياة بطاعته, ونصلح أمورها ونضبط شؤونها تحقيقا لعبادته, وقياماً بما حملنا من مسؤوليته وأمانته, وكلفنا بأوامره وخلافته.

فلا بد أن نتخلص من الغثائية واللامبالاة ونساهم في صنع القرار وبناء الحياة وضبط النظام.

فيكون لكل واحد منا وجوده وحضوره, وإظهار أثره وتأثيره في أي فرصة تتاح له أو مناسبة تعرض أمامه, فتتظافر جهود الجميع, حكاماً ومحكومين, أفراداً ومسؤولين؛ لإقامة المجتمع الآمن والوطن المستقر والبلد المتطور.

أيها الأحبة في الله :

الانتخابات البلدية والمجالس التشريعية التي يتاح للشعب بناؤها وتأسيسها هي ضرب من ضروب الاستفتاء والشورى, وصورة من صور التلاحم والتعاون والاجتماع ونبذ التشاحن.

وهي والله فرصة لكل واحد منها لخدمة دينه ونفع بلده والمساهمة في إصلاح مجتمعه .

ولنا ـ أحبتي في الله ـ مع الانتخابات وقفات, ومع تلك المناسبة إشارة وعبارات.

أولها ـ إخوة الإيمان ـ أننا إذا علمنا أن تلك الانتخابات من الشورى التي أمر الله بها (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (3) ومدَح القائمين بها (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (4) فلنتذكر أننا نؤدي عبادة, ونساهم في طاعة, ونشارك في تحقيق مبدأ من مبادئ الإسلام, فلابد إذاً من إخلاص النية, وتصحيح المنهج, والاستفادة من التجربة السابقة, والاعتبار من الدورة الماضية. فننظر في الطريقة الشريعة والرؤية الإسلامية, لتبرأ بذلك الذمة , وتحقق المصلحة المرجوة فنرضي بذلك ربنا ونصلح أوضاعنا ونخدم دولتنا, ونحمي من الفساد والإفساد مجتمعنا, فلا يَظنّ ظانّ أو يَتصوّر متصور أن تلك الانتخابات البلدية أمور دنيوية ومجرد تنظيمات بشرية لا علاقة لها بالأحكام القرآنية أو التوجيهات النبوية. ولا شك أن هذا فهم خاطئ وتصور باطل.

فمِن عظمة هذا الدين أنه كامل وشامل, يشمل جميع جوانب الحياة ويدعو إلى التوحيد والنظام, فنعبد الله في المسجد والبيت كما نعبده ونطيعه في العمل والسوق, وكما نطيعه ونحتكم إليه في المؤسسات والوزارات والمحاكم والمدارس والقنوات, وكذلك في عموم الأنظمة والبلديات والانتخابات.

ثانياً ـ إخوة الإيمان ـ لا يشك عاقل أن أخذ الرأي والإدلاء بالصوت في الانتخابات من أكبر الأمانات, وأعظم المسؤوليات التي سيحاسب عليها العبد أمام الله ـ تعالى ـ, ثم أمام المجتمع الذي يقوى ويصفو بقوة أمانة أفراده, ويترابط ويزكو باستشعارهم بواجبهم تجاهه, وإنه بغض النظر عن الدور الذي سيقوم به المرشح بعد الترشيح, وبصرف النظر عن صلاحياته وتمكينه في البناء والإصلاح إلا أنه يبقى صوتك وإعطاء رأيك أمانة ومسؤولية, فلا تضيعها على حساب دينك, أو تتهاون بها على حساب خدمة وطنك ومجتمعك.

فإذا رشحت فإنما أنت وكيل عن المجتمع كله, ونائب عنه في الاختيار والترشيح, فاتق الله في اختيارك وراقب ربك في ترشيحك, فتذكر قول النبي: “المستشار مؤتمن” ..

وقولهكل منكم على ثغر من ثغور الإسلام فالله الله أن يُؤتى الإسلام مِن قِبَله” ..

وقول النبي“إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة”, قيل: يا رسول الله: وما إضاعتها؟, قال : “إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” ..

وقول النبي فيما رواه الحاكم: “مَن ولّى رجلاً على عصابة وهو يجد فيهم مَن هو أرضى منه – أي خير وأفضل – فقد خان الله ورسوله والمؤمنين“.

ونقل ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كلاماً نسبه إلى عمر بن الخطاب  أنه قال: ” مَن وَليَ مِن أمر المسلمين شيئاً فوَلَّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين” اهـ.

فهل بعد هذا ـ إخوة الإيمان ـ يتجرأ مسلم عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر على ترشيح وانتخاب شخص لمجرد القرابة أو النسب أو لعطية أو هدية أو مجاملة وهو يعلم أن هناك مَن هو أكفأ منه وأفضل, وأحق بهذا الترشيح وأنسب .

من فعل فهو كما سمعتم ضرب من ضروب الخيانة, وتضييع الأمانة التي سيسأل عنها المسلم في يوم يفرّ فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه, في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

في يوم يودّ فيه من خان أمانته وخفر ذمته ونسي اطلاع ربه ومراقبته ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ( 14 ) ) (5)

فلا القرابة تنفع, ولا القبيلة تشفع, ولا المصالح الدنيوية عنك من العذاب تدفع .

فليتق الله الناخب, فلا يرشح إلا من يراه أهلاً لذلك من حيث دينه وأمانته وصلاحه وخلقه, ومن حيث فهمه وقدرته وعدالته.

ثالثاً: و ـ تأكيدا على ما سبق ـ أن تعلم أيها الناخب أن ترشيحك تزكية لمن ترشحه, وثناء على من تنتخبه, فتذكّر آيتين في كتاب ربك تُحدّد صفات المرشح المناسب الذي تبرأ به الذمة, وتقوم به الحجة.

أولهما: ما ذكره الله عن نبيه يوسف ـ عليه السلام ـ عندما قال للملك: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) (6)

والثانية: ما قاله الله ـ عز وجل ـ عن ابنة نبيه شعيب ـ عليه السلام ـ لما قالت لأبيها عن النبي موسى ـ عليه السلام ـ ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)(6)

فالحفظ والعلم والقوة والأمانة صفاتٌ شرعية وخلالٌ إيمانية لابد من توفرها في كلِّ مَن يستحق الترشح لمنصب أو الانتخاب لمسؤولية, فيكون حافظاً لدينه, محافظاً على صلاته, حفيظاً لأمانته وشريعة ربه. كما أن من الحفظ محافظته على أسرار عمله وأموال دولته وأوقات دوامه, مع حفظه للأنظمة والتعليمات ومحافظته على المُقَدّرات والممتلكات.

وكذلك صفة العلم بشرع الله, خاصةً فيما يتعلق بمسؤوليته وتكاليف عمله, والعلم بنظام وزارته, والعلم بأحوال مجتمعه, وحاجة أهل بلده .

وكذلك صفة القوة في الحق, والقوة على العمل, والقدرة على تنفيذ ما يُطلب منه ويُوكل إليه بلا تهاون أو خلل, أو فتور أو كسل.

أما صفة الأمانة فهي كما تَقدم إيضاحها, والتأكيد عليها. إذاً .. الترشيح يا عباد الله يكون بالصفة لا بالاسم, وبالخُلق لا بالمكانة.

فليس لصاحبه الصلاحية ـ كما قال ابن تيمية ـ أن يستعمل إلا أصلح الموجود فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه, وقال ـ رحمه الله ـ: وينبغي أن يُعرَف الأصلح في كل منصب فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة, ثم قال: واجتماع الأمانة والقوة في الناس قليل ولذا قال عمر بن الخطاب  ” اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة ” . فالواجب هو بذل الجهد في اختيار أفضل مَن تتوفر فيه الصفات المذكورة في كلِّ ولاية بحسب طبيعتها ومتطلباتها.

فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ وراقبوا الله في كل ما تأتون وتذرون, وفيما تقولون وتفعلون, وفيما تختارون وترشحون.

اتقوا الله ـ رحمكم الله ـ وتذكروا عظم الأمانة, وخطر المسؤولية, متذكرين قول الله ـ تعالى ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (7)

بارك الله لي ولكم …

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين .. أما بعد :

اتقوا الله ـ معشر المؤمنين المسلمين ـ وكونوا لما جاءكم في شرع الله مستسلمين, ولتوجيهات دينكم منقادين, واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن الترشيح والانتخاب شهادة مغلظة, وتزكية معتمدة, فليحذر المسلم من التزوير في الشهادة, أو الانحراف بالتزكية, فيَظلم فيها الناخب نفسه, ويَظلم من يرشحه, ويَظلم المجتمع معه .

كما أن فيه ظلماً للأكفأ والأمثل الذي حرمته من صوتك وترشيحك, لشهوة نفسية, أو مصلحة شخصية, أو لعصبية قبلية.

ثم اعلموا ـ أحبتي في الله ـ أن الغالب الأعمّ فيمن يُرَشَّحون في بلادنا هم ممن يتميز بصلاح في دينه, ونزاهة في أمانته, واستقامة في أخلاقه. لكن الأمر ـ أحبتي في الله ـ يتطلب مع الأمانة قوة, ومع الحفظ علماً ومعرفةً, ومع الصلاح كفاءةً وقدرة.

نحتاج إلى الحريص على خدمة المجتمع, المتبصر بأحوالهم, المتفرغ لمتابعة حاجاتهم ومتطلباتهم فقد يكون حبيبك ـ أخي المسلم ـ وقريبك صالحاً أميناً, لكن هناك من هو أكفؤ منه وأنسب, وأحرص على العمل وإليه أقرب.

ثم تذكر ـ أيها الحبيب والقريب ـ أن من محبتك لقريبك وحبيبك ألا تتمنى له تحمل مسؤولية, أو التكليف بمهمة, خاصةً وأن هناك مقابلاً مادياً, ومكاناً اجتماعياًّ ربما تؤثر على إخلاصه, وتضعف في عطاءه, فتعرضه بترشيحك للمعاتبة, وربما للمعاقبة. فالسلامة لا يعدلها شيء, فلا يكون مجرد حبك وقربك أو نسبك دافعاً وحيداً للترشيح, وسبباً مجرداً للانتخاب.

يقول الإمام ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تعليقه على قول الله ـ تعالى ـ ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) قال: هذان الوصفان بهما تمام الأعمال كلها. فكل عمل من الولايات أو من الخدمات أو من الصناعات, أو من الأعمال التي يٌقصد منها الحفظ والمراقبة على الأعمال والعمال لابد له من هذين الوصفين, والخلل والنقص سببه الإخلال بهما أو بأحدهما . اهـ

ولا شك أن المجالس البلدية من مهمتها الحفظ والمراقبة, والسعي للإصلاح والمتابعة, فما أشد حاجتها لهذين الوصفين العظيمين . فلا نلقي باللائمة عليهم في أداء أعمالهم ونحن عند ترشيحهم تغلبنا العاطفة أو الشهوة أو حب المنفعة والشهرة .

فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ واعلموا أن تلك المجالس البلدية يكتنفها أمران خطيران يؤثران على القلب, ويهلكان النفس, إنهما: حب الشهرة وحب المال. فلا تعرضوا من تحبون لذلك .

إنما ابحثوا عمن يملك الحصانة الشرعية, والوقاية العلمية, والقوة المعرفية, والثقافة الاجتماعية والعملية. وليكن مع ذلك وقبله وبعده هدفكم ومقصدكم نفع البلاد وإصلاح المجتمع, لا نفع المرشح وإصلاح أحواله .

__________________


(1) سورة الطلاق الآية:2

(2) سورة الطلاق الآية: 5

(3)سورة آل عمران الآية :159

(4) سورة الشورى الآية:38
(5)سورة المعارج

(6) سورة يوسف الآية 55

(7)سورة القصص الآية: 26

(8)سورة الأحزاب الآية:72

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى