خطب الشيخ سعد السبر

خير من تلى القرآن وتغنى بالسبع المثان

الحمد لله جعلنا موحدين وثبتنا على التوحيد والدين وأمرنا بتلاوة كتابه المبين وجعله حفظا لنا من الشياطين أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مثيل ولا نظير ولا شبيه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من تلى القرآن وتغنى بالسبع المثان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الإنس والجآن وسلم تسليما كثيرا ما تعاقب الأزهران (). أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي أساس الدين والقرآن وقائد أهل البيان ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ()

أيها الصائمون : نعيش أياما زُهرٌ، ووردها حمرٌ ، وخيرها درٌ ، وفضلها خضرٌ () ، والأحزان تحلُ بنا طرٌ () ، والأعداء لدٌ () ، والليالي بهمٌ ، والمنايا بالمسلمين نزلٌ ، والقرآن أُنسٌ وسلوةٌ ، فيه النصرُ والرفعة والعزُ ، تلاه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والناس نيمُ ، وقام به الصحب فجَلوا () ، وعملوا به فعزوا .

أيها القانتون : أيامٌ غرٌ بالخيرات تزهو وبالقرآن تحلو وليال بالكتاب عن الشر تصبو ()

رمضان هو القرآن والقرآن حديث الرحمنِ ، فطوبى لمن تلاه وتدبره ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) () (أفلا يتدبرون القرآن أم على قولب أقفالها ) ().عن الضحاك {أفلا يتدبرون القرآن} قال: يتدبرون النظر فيه ()

و عن قتادة {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} يقول: إن قول الله لا يختلف وهو حق ليس فيه باطل وإن قول الناس يختلف ()،وعن الضحاك بن مزاحم، قال: ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} () ، قال الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن () .

أيها المتقون : تغنوا بالقرآن واتلوه ، فهو رسائل من ربكم لتقرأوها وتطبقوها ، هو خطاب لكم وليس لغيركم ، هو أنس وشفيعكم ، هو دليلكم وإمامكم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن» ()، وقال ابن مسعود: لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ()، قال محمد بن كعب القرظي: إني لأن أقرأ: ” القارعة، وإذا زلزلت في ليلة، أرددها وأتفكر فيهما أحب إلي من أن أبيت أهذ القرآن ()، تغنوا بالقرآن و اتلوه واعملوا به ، وأديموا تلاوته ، واحفظوا له قدره وفضله ،فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «إن هذا القرآن كلام الله عز وجل، فضعوه على مواضعه، ولا تتبعوا فيه أهواءكم» () ،وعن خيثمة قال: ” مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت: طوبى لثدي أرضعك، وحجر حملك قال عيسى: طوبى لمن قرأ القرآن، ثم عمل بما فيه ” ()،قال عبد الله بن مسعود: “ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخطئون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخابا ولا ضاحكا ولا حديدا ” ()

أيها القانتون : اتخذوا كتاب الله إماما وارضوه حكما، واجعلوه لكم قائدا؛ فإنه ناسخ لما كان قبله ولن ينسخه كتاب بعده، اعلموا عباد الله إن هذا القرآن يجلو كيد الشيطان، وصفاصفه كما يجلو ضوء الصبح إذا تنفس إدبار الليل إذا عسعس» () .قال عبد الله: إن كل مؤدب يحب أن يوتى أدبه، وإن أدب الله القرآن ” ()، وقال يزيد بن تميم،: من لم يردعه القرآن والموت، ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يردع ” {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} () لقد وعظ القرآن المجيد , يبدي التذكار عليكم وبعيد , غير أن الفهم منكم بعيد , ومع هذا فقد سبق العذاب التهديد , {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}().

إن في القرآن ما يلين الجلاميد , لو فهمه الصخر كأن الصخر يميد , كم أخبرك بإهلاك الملوك الصيد , وأعملك أن الموت بالباب والوصيد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}() .

إن مواعظ القرآن تذيب الحديد , وللفهوم كل لحظة زجر جديد , وللقلوب النيرة كل يوم به عيد , غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}() .

أيها التائبون : تدبروا القرآن فهو نزل ليُتلى ويُتدبر ، ويُعمل به ، وليس لتُزين به المساجد والرفوف ، ويُفاخر بنسخة المتنوعة الجميلة الحديثة ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) () . قال الأحنف بن قيس: ” عرضت نفسي على القرآن فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم} () ” ().

قال أبو العالية: «كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه» ()، قرأ مالك بن دينار هذه الآية {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} فبكى، وقال: «أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه» () ،وقال رحمه الله: «يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإن القرآن ربيع المؤمنين كما أن الغيث ربيع الأرض، فقد ينزل الغيث من السماء فيصيب الحش فيه الحبة ولا يمنعه نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن فيه، حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة؟ أين أصحاب سورتين؟ ماذا عملتم فيها؟» () .قال مالك رحمه الله: «إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة»

قال الخواص : دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبير وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين ().وقال الحسن: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق ().

أيها المُخبتون : إن تلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد , مواعظ القرآن لأمراض القلوب شافية , وأدلة القرآن لطلب الهدى كافية , أين السالكون طريق السلامة والعافية , مالي أرى السبل من القوم عافية () .

يا مشغولا بذنوبه , مغمورا بعيوبه , غافلا عن مطلوبه , أما نهاه القرآن عن حوبه هذا بلاغ للناس ولينذروا به () .

يا متحيرا في طريقه قد بان البيان , يا بليد الاعتبار وقد أنذره الأقران , يا من تقرع قلبه المواعظ وهو قاس مالأن , لو حضرت بالذهن كفاك زجر القرآن () .

أيقظنا الله وإياكم من رقدة الغفلة , ووفقنا الله وإياكم للتزود قبل النقلة , وألهمنا اغتنام الزمان ووقت المهلة. إنه سميع قريب. الخميس 7/9/1433 .

——————————————————————————–

() المقصود الشمس والقمران كما يقال لهما القمران فيقال الأزهران . تاج العروس (11 / 478) ، القاموس المحيط (ص: 403) .

() سورة آل عمران ، آية:102.

() الخضرُ وصف لزيادة الفضل والخير المتتابع من الله في رمضان .

()العين (7 / 403) : الطُرُ: كالشل، يطرهم بالسيف طرا. وسنان مطرور وطرير: محدد.

()جمهرة اللغة (1 / 114) : واللدد: شدَّة الْخُصُومَة. وَالرجل أَلد وَالْقَوْم لد. وَكَذَا فسر فِي التَّنْزِيل وَالله أعلم.

()غريب الحديث لإبراهيم الحربي (1 / 120) :قال: انجلى القمر انجلاء. وجلوت عني همي جلوا , إذا أذهبته وأجليت العمامة عن رأسي: رفعتها مع طيها عن جبيني , وانجلى الظلام: انكشف.

()جمهرة اللغة (2 / 1023) :صبا يصبو صبوا من الصبا. وصبأ صبوءا، إذا طلع، من قولهم: صبأ ناب البعير، إذا طلع، وصبأ ناب البعير يصبأ، يهمز ولا يهمز.

() سورة النساء ، آية :82.

() سورة محمد ، آية :24.

()الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2 / 599) .

()الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2 / 599) .

() سورة الشورى ، آية : 30 .

()الزهد لوكيع (ص: 321) .

()أخرجه البخاري في باب من لم يتغى بالقرآن (6 / 191) ، وأخرجه مسلم في باب تحسين الصوت بالقرآن (1 / 545) .

()(رواه البغوي عن ابن مسعود موقوفا)

()الزهد لوكيع (ص: 479) .

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 32) .

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 51) .

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 133) .

()الزهد الكبير للبيهقي (ص: 215) .

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 134) .

() سورة ق ، آية :45.

() سورة ق ، آية :45.

() سورة ق ، آية :45.

() سورة ق ، آية :45.

() سورة ص ، آية :29 .

() سورة التوبة ، آية : 102.

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 191)

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 245)

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 258)

()الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 258)

()الرسالة القشيرية (1 / 104) .

()الرسالة القشيرية (2 / 378) .

()التبصرة لابن الجوزي (1 / 79) .

()التبصرة لابن الجوزي (1 / 99) .

()التبصرة لابن الجوزي (1 / 109) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى