خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر
المفحطون وإشارة المرور – خطب الجمعة

المفحطون وإشارة المرور
الحمد لله الذي رفع السماء بغير عمد، وخفض الأرض من غير سند، نحمده على أنعامه التي ليس له حدّ، وأفضاله التي ليس لها ردّ، ونشكره على كثير المدِّ ودُحورِ الضدِّ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته، جلَّ عن النِّد وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى/١١].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أضاء الله به القلوب من بعد قتامِهَا، وأنارَ به الدروب من بعد ظلامها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .
أما بعد …
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فطريقُ رضاه بسلوكِ بابها، واستجلاب محبته بفعل أسبابها، ﱡيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَﱠ [آل عمران/١٠٢]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر/١٨]
أيُّهَا المُؤمِنُون …
من أعظم مقاصد الشّارع الحكيم والرِّسالة المُطهَّرة : هي قرارُ الأمن، وتوطيد الأسباب الدّاعية لذلك، من سلامةِ النَّاس وتسرِيب الطمأنينة إلى قلوبهم ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»([1]).
فاستقرار الأمن من أسمى الأماني البشرية ، والتي يركض ورائها العالم بعقولهم وفكروا وقدروا، ولكن هيهات أن يصلوا إلا بتوفيق من العليم الخبير.
____________________________
([1]) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب «في التوكل على الله»، رقم (2346)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب «القناعة»، رقم (4141).
قال الشيخ الألباني رحمه الله : «حسن». «صحيح الجامع » (6042)
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك/١٤]، وفي «الصحيحين»([1]) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ،
فَقَالُوا : «وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ ؟»، فَقَالُوا : «وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ ؟!»، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟!»، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» فحفظًا للأمن والأمان غضب النبي على من شفع في حد من حدود الله بعد ما بلغ السلطان، وأكّد على ذلك بقوله «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
ولتوطيد هذه النعمة والسّعي ورائها يقوم وُلات أمورنا بغاية الجهد وتحمُل العبء؛ ليقرّ الأمنُ في الوطن ، فيبذلون الجهد في مكافحة المجرمين والجريمة، والصدِّ من ألاعيبهم، ومن تعدِّيهم على الناس، فها هي أحد المشاريع الكبرى والخطوات الرائعة من الدولة ـ شرفها الله ـ، ففي الأسبوع القادم ستبدأ «فعاليات أسبوع المرور الخليجي »، والذي تدور فكرته على توعية المواطنين بوسائل الأمن في الطرقات وبين مسارب الشوارع، وهذه خدمة مشكورة من القائمين على هذا
الجهاز ـ حفظهم الله ـ .
ولكن بين كل هذه الجهود ومن خارج جميع هذه المحاولات تبقى هناك ثُلَّةٌ لم تزل تنهش من قرار الشوارع ومن أزقّة الحارات، ففي كل مدخل تراهم يتسكّعون، ويجوسون في الشوارع بقاعدة تحرَّر من الملل غاية ما تستطيع فلا أرض تقرّ بهم، ولا منتهى لتفاهاتهم، فكم من حادث قد ورَّث هتكًا شنيعًا وقتلًا مُريعَا ؟!، وتقلِّب بصرك بحثًا عن الجاني فلا ترى سوى دخان عادم سيارته يلوح من بعيد، فها هي الدولة تحثّ الخطى في إبادة أرهابيّو التفجير والتدمير، ولكن إرهاب السيارات يتزايد ويكثُر , والدولة تضع الأنظمة والقوانين، وهؤلاء المفحطون يقتلون ويمشون على الأرض، فالمفجر يحاسب وأول من يحاسبه أهله، وأما المفحط لا يُحاسبه أهله بل والده يُخرجه من قضية تفحيط؛ ليُعطيه سيارة أخرى يقتل بها، بل يحدث ما هو أدهى وأمر وأشد، تُطلب الشفاعة والواسطة لإخراج المفحط، ويأتي الناس جماعات لمن اعتدى عليه المفحط ليطلبوا منه التنازل.
_________________________________
([1]) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب «حديث الغار»، رقم (3475)، ومسلم، كتاب الحدود، باب «قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود»، رقم (1688).