خطب الشيخ سعد السبر

تقليص أعداد الحجاج منفعة ومصلحة وحماية للحجاج. د. سعد السبر

الحمد لله جعلنا موحدين متبعين لامبتدعين، أحمده سبحانه ، وأشكره على  جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن التقوى خير الوصايا، وأفضل العطايا قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]).

إخوة الدين: إن الله أو جب علينا طاعة ولاة الأمور. قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..) ([2])، وعلينا أن نعلم أن أمر الأمة وسياستها، موكلٌ لوي الأمر يقودها للخير،ويرد عنها الشر بعد الله؛ لأن تصرفات الحاكم على الرعية بالمصلحة كما جاء في القاعدة الفقهية : تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ ([3]).

أَيُها المُسِلِمُونَ: إنَّ الله عز وجل أمر بحفظ الأنفس وحمايتها قال الله تعالى:( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ([4] ) ،وقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ([5] ).

أيها المؤمنون: إن تقليص أعداد الحج لهذا العام لعدد ٍمحدودٍ؛ لأجل إقامةِ الحجِ في يُسرٍ وسُهولةٍ، وللمحافظةِ على المسلمين وأرواحِهم، قراٌر حكيمٌ سديدٌ، فيه مصلحةُ المسلمين، وردُ الضررِ عنهم ومنعُه عنهم، ومنعُ الخطرِ وإزالتُهما، ويتوافقُ مع نصوصِ الشريعةِ، لحديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ([6]) ، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا» ([7]).قال الطبري في هذا الحديث : الدلالة على أن على المرء توقى المكاره قبل وقوعها، وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها، وذلك أنه عليه السلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارًا منه، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق من الأمور سبيله في ذلك سبيل الطاعون ([8]) .

أيها الموحدون: ومن الأدلة على تقليص عدد الحجاج، خشية انتقال العدوى إليه عن أَبَي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ([9])، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» ([10]).قال ابن حبيب: وكذلك يمنع المجذوم من المسجد والدخول بين الناس واختلاطة بهم كما روى عن عمر أنه مر بامرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال لها: ياأمة الله، اقعدى فى بيتك ولاتؤذي الناس.

ذكر ابن عبد البر عن بعض شيوخه، أنه ألحق بأكل الثوم من كان أهل المسجد يتأذون بشهوده معهم من اذاه لهم بلسانه ويده، لسفهه عليهم وإضراره بهم، وأنه يمنع من دخول المسجد ما دام كذلك، وهذا حسن. ([11]).

 قال ابن حجر: انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة،ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة، انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة ([12]).

 قال الكرماني: وفي الحديث أن على المرء التدبر في المكاره قبل وقوعها، وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها، وعليه الصبر، وترك الجزع بعد نزولها ([13]).

أيها المسلمون: إن نبينا صلى الله عليه وسلم منع المريض من الحضور إليه؛ لعزله ولمنعه من العدوى، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» ([14]).

فحفظ الله ولاة أمرنا ووفقهم وسددهم على حرصهم وبذلهم كل خير للمسلمين، وحفظهم بعد الله أرواح المسلمين والحجاج، فهم في كل عام يعملون ويبذلون كل غالٍ ونفيسٍ لخدمة بيت الله، لا يريدون جزاءا ولاشكورا من أحد.

 وكتبه/

د. سعد بن عبدالله السبر

الخميس 4 ذو القعدة 1441


([1]) سورة آل عمران، آية: 102.

(([2] سورة النساء، آية:59.

(([3] المنثور في القواعد الفقهية (1 / 309)

(([4] سورة البقرة، آية:195.

(([5] سورة النساء، آية:29.

(([6] رواه ابن ماجه بَابُ مَنْ بَنَى فِي حَقِّهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ حديث رقم 2340 سنن ابن ماجه (2 / 784)، و رواه  مالك  مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ عَتْقِ الْمُكَاتَبِ حديث رقم 2982موطأ مالك ت الأعظمي (5 / 1174)، ورواه أحمد حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حديث رقم 22778  مسند أحمد ط الرسالة (37 / 436).قال الألباني: صحيح. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3 / 408).

(([7] رواه البخاري  بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ حديث رقم 5728 صحيح البخاري (7 / 130)، ورواه مسلم باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها حديث رقم 2218 صحيح مسلم (4 / 1737).

(([8] شرح صحيح البخاري لابن بطال (9 / 423).

(([9] رواه البخاري بَابُ لاَ هَامَةَ حديث رقم5771 صحيح البخاري (7 / 138)، ومسلم  بَابُ لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَلَا نَوْءَ، وَلَا غُولَ، وَلَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ حديث رقم 2221 صحيح مسلم (4 / 1743).

(([10] رواه البخاري بَابُ الجُذَامِ حديث رقم 5707

(([11] فتح الباري لابن رجب (8 / 18)

(([12] فتح الباري لابن حجر (10 / 160)

(([13] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21 / 17)

(([14] رواه مسلم  بَابُ اجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ وَنَحْوِهِ حديث رقم  2231صحيح مسلم (4 / 1752) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى