شهر الفضل والجود – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
الخميس 30 شعبان 1433
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله اللطيف الرؤوف العظيم المنان، الكبير القدير القديم الديان، الغني العلي القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، أحمده على ما خصنا به من بلوغ شهر الصيام والقيام، وأشكره على بلوغ الآمال وسبوغ الإنعام، وأشهد أنه الذي لا تحيط به العقول والأذهان، وأن محمدا أفضل خلقه وبريته، المقدم على الأنبياء ببقاء معجزته، الذي انشق ليلة ولادته الإيوان، وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي غاية الصيام وأثر القيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (2) وهي وصية الله لنا ولمن قبلنا لنفوز بالجنان ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ) (3)
أيها المسلمون حل عليكم ضيف قريب ووافد كريم ينتظر وفادتكم وضيافتكم فطالما دعوتم الله أن يبلغكم إياه ويُطيل في أعماركم لتبلغوه وعاهدتم أنفسكم بالعمل و تشمير ساعد الجد فيه وكم ندمتم لفراقه وحزنتم لرحيله لتفريطيكم في أيامه ولياليه وساعاته فهاهو يحل عليكم ويقرب من دياركم فما أنتم فاعلون وما أنتم مقدمون ولأنفسكم ممهدون وكم من السيئات مكفرون وهل أنتم مكرمون ضيفكم الكريم ووافدكم القليلة أيامه ؟؟ إنه شهر رمضان شهر الصيام قال بعض السلف : طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله .
عباد الله : إن الله أطال في أعماركم فبلغكم رمضان فكم من نفس قُطع أجلها وانتهت أنفاسها وحيل بينها وبين رمضان بالكفر والشرك و بالموت وبالقتل وكم مسلم ومسلمة فقدوا الأمن والوطن والأهل والأحباب وفقد العافية ويعانون القتل والأمراض والأسقام والآفات وأنتم تنعمون بالتوحيد والإيمان والأمن والأهل والأوطان والصحة والعافية نعم عظيمة ومنن كثيرة منّ الله بها عليكم وحرُمها غيرُكم ؟ ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (4) .
إخوة العقيدة جاءكم شهر القرآن والصلاة والقيام ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ ) (5) قال : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (6) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
قال : (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال عز و جل : إلا الصيام فإنه لي و أنا الذي أجزي به إنه ترك شهوته و طعامه و شرابه من أجلي للصائم فرحتان : فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) (7) وفي الخبر الصحيح عمرة في رمضان كحجة معي (8)
أيها المتقون : آمين آمين آمين هذا تأمين النبي الكريم وهو يصعد درجات منبره على دعاء جبريل عليه السلام فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صعد المنبر، فقال: ” آمين. آمين. آمين.
فلما نزل قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر، قلت: آمين. آمين. آمين.
قال: إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين.
قال: ومن أدرك أبويه، أو أحدهما، فلم يبرهما، فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين.
فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك، فمات، فدخل النار، فأبعده الله.
قل: آمين. فقلت: آمين ” (9)
أيها المؤمنون إن شهر رمضان أتاكم قادما حافلا بالخيرات وتكفير السيئات وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله – – قال: “إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” وزاد في رواية للترمذي وابن ماجه وغيرهما: “وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة“.
شهر تفتح فيه أبواب الجنان ويصفد فيه كل شيطان وهو شهر الأمان والضمان شهر يخفف فيه عن المملوك
تزهر فيه القناديل وينزل فيه بالرحمة جبريل ويتلى فيه التنزيل ويسمح فيه للمسافر والعليل شهر رمضان للعباد مثل الحرم في أم البلاد الحرم يمنع منه الدجال اللعين ورمضان يصفد فيه مردة الشياطين شهر رمضان في الدنيا مثل الجنان في العقبى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود ومكله خلود متصل ليس يبيد وفي رمضان بذل المجهود ورضى طلب المعبود وحفظ الحدود وإظهار الكرم والجود
أقبل الصوم يا مسكين وكلنا مساكين وأنت عاكف على ما يسخط الجبار مصر على الآثام والأوزار عامل بأعمال أهل النار متشبه بالنساك والأخيار وأنت في جملة الفساق والفجار وقد أطلع على سرك وضميرك عالم الضمائر والأسرار
وشهر الصوم شاهد عليك والملائكة تلعنك والله لا ينظر إليك وهو جل جلاله بإعراضك عن الطاعة معرض عنك غاضب عليك فلا تجعل أيها الصائم شهرك هذا كسائر الشهور ،والله سبحانه ينظر من عبده إذا لم ير أثرا لشهر رمضان من ملكه لجوارحه يقول جل جلاله هذا عبدي لا يعرف لشهري هذا فضلا وأنا لا أعلم الآن له عندي فضلا قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم. وروى الليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب. ومحروم صاحب القنوات والمعتكف على مشاهدتها وخسرانٌٌ من يغش ويزني ويتعاطى المخدرات في رمضان قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم. روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون. أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك.
أيها الأحبة خيرات رمضان كثير ة ففيه إجابة الدعاء وقبول التوبة وتكفير السيئات والزلات وإقالة العثرات روى الأمام أحمد وغيره: “لكل مسلم دعوة مستجابة، يدعو بها في رمضان”، وفي رواية صحيحة للبزار: “وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة” فكم نحتاج وكم نطلب البشر ورب البشر فتح بابه للسائلين ويفرح بتضرعهم ودعائهم والناس يغضبون بالطلب منهم
لا تسألن بني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم إن سألته يغضب
إخوة الدين من فضائل هذا الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: دخل رمضان، فقال رسول الله – – “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم” (10) .
وقد حسب بعض العلماء ألف شهر فوجدوها تساوي ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر .
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران ، آية :102.
(2) سورة البقرة، آية : 183.
(3) سورة النساء ، آية :131.
(4) سورة إبراهيم ، آية: 34.
(5) سورة البقرة ، آية 185.
(6)أخرجه البخاري في باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان صحيح البخاري (1 / 16) باب فضل قيام رمضان (3 / 45) :
و أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب الترغيب في قيام رمضان رقم 759
(قام رمضان) أحيا لياليه بالعبادة والقربات. (إيمانا واحتسابا) مصدقا بثوابه مخلصا بقيامه. (ما تقدم من ذنبه) من الصغائر]
(7) أخرجه البخاري في باب: هل يقول إني صائم إذا شتم صحيح البخاري (3 / 26) و أخرجه مسلم في الصيام باب فضل الصيام رقم 1151 (كل عمل ابن آدم له) أي يمكن أن يدخله حظ النفس. (يصخب) من الصخب وهو الخصام والصياح
(8)أخرجاه من حديث ابن عباس دون قوله معي فهي عند مسلم على الشك تقضي حجة أو حجة معي ورواه الحاكم بزيادتها من غير شك .
(9) أخرجه ابن خزيمة (3/192) (1888) ، وابن حبان (3/188) (907) ، وهو عند أبي يعلى (10/328) (5922) .
(10)رواه ابن ماجه