خطب الشيخ سعد السبر

وأذن في الناس بالحج – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

22/11/1432

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الحمد لله الملك القديم ، الواحد العزيز العظيم ، الشاهد سامع ذكر الذاكر وحمد الحامد ، لعظمته خضع الراكع وذل الساجد ، وبهداه اهتدى الطالب وأدرك الواجد ، تنزه عن شريك مشاقق أو ند معاند ، وعز عن ولد وجل عن والد ، أحمده على الرخاء والشدائد ، وأقر بتوحيده إقرار عابد ، وأصلي على رسوله الذي كان لا يخيب السائل القاصد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل آل وخير صاحب وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي ثمرة الحج وأساس الدين وشعار الموحدين ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) (1)

أيها الموحدون : إن الله أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يأذن في الناس بالحج (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (2) فأعلمهم أن عليهم الحج (3). نادِ فيهم ليحجوا. رُوي : أنه عليه السلام صعد أبا قبيس ، فقال : يا أيها الناس ، حجوا بيت ربكم ، فأسمعه الله تعالى الأرواح ، فأجاب من قُدِّر له أن يحج من الأصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك (4) . (عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: «ما آسى على شيء فاتني من الدّنيا إلّا أنّني لم أحجّ ماشيا حتّى أدركني الكبر. اسمع قول اللّه تعالى ( يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ ) (5) (6) .

أيها المؤمنون : إن الحج ركن الإسلام الخامس واجب على المسلم في العمر مرة ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ) (7) عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله – – فقال : (( يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا )) فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (( لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم )) (8) عن الحسن بن علي قال ” جاء رجل إلى النبي فقال : إني جبان وضعيف فقال : هلم إلى جهاد لا شوكة فيه : الحج ” (9)،و عن عائشة قالت ” قلت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ فقال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور ” (10)،عن جابر عن النبي قال : (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (11)، و عن الحسن أنه قيل له ما الحج المبرور ؟ قال : أن يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة (12)حجّ جعفر الصادق – رضي الله عنه – أراد أن يُلَبّي فتغيّر وجهُه، فقيل له : مالك؟ فقال : أريد ان ألبَي وأخاف أن أسمعَ غير الجواب. (13) .وقف مُطْرِفٌ وبكرٌ بعرفَةَْ فقال : مطرِفٌ اللهمّ لا تردّهم من أجلي. وقال بكر: ما أشرفه من مقام لولا أنّي فيهم. وقَفَ الفضيل بن عياض فشغله البكاء عن الدعاء، فلما كادت الشمسُ أنْ تغرُبَ قال : واسوأتاه منك وإن غفرت. وقف بعض الخائفين على قدم الإطراق والحياء، فقيل له لم لا تدعو؟ فقال ثَمَّ وحشة، قيل: هذا يوم العفو عن المذنبين، فَبَسَط يده فوقع ميتاً مكانه.

أيها المسلمون :إن بعض الناس لم يحج ولم يفكر في الحج ، وربما مات ولم يحج ،مع أنه قادر بجسده وماله وليس له عذرٌ ، فما يظن من هذه حاله أنه فاعلٌ وقائلٌ لربه يوم القيامه ؟؟ قال الاسود لرجل منهم موسر : لو مت ولم تحج لم أصل عليك (14)، وقال العماء من مات وهو موسر ولم يحج تثبت الحجة في ماله ويُخرج قيمة حجة ليُحج عنه، وهؤلاء الذين لم يحجوا لم يعلموا أن الله يسر الحج للحجاج، بل إنهم يتحججون بحج واهية بائسة ، عن ابن عباس أنه سئل عن منى وضيقه في غير الحج فقال : إن منى تتسع بأهلها كما يتسع الرحم للولد (15) نفيامن فرّ” ولم يحج بادر اشتري نفسك ولاتطع الشيطان وعجل بطاعة الرحمن وتذكر قول الجبار في التذكرة لك بأن عدوك لك بالمرصاد عند رغبتك في عمل الصالحات (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (16)

أيها الأحبة : وعلى عكس الصنف المفرط في أداء فريضة الحج هناك أناسٌ لم يحجوا ، ولم يجدوا قدرة أو سعة على الحج والحج عنهم ساقطٌ ، ومع ذلك همهم أن يحجوا وحالهم كالذين قال الله فيهم ( وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) (17) كم شخص أشخصه الشوق إلى الحج، يكاد مودع المواثيق قبل تقبيله يقبله، فلما قضى الناسك المناسك، ثم رجع، بقي سهم الشوق إليه في قلب منى،خواطرهم تراقب حدود الشرع، وقلوبهم وقف على محبة الخالق.

وَقَفَ الهَوى بي حَيثُ أَنتَ فَلَيس لي … مُتَقَدّمٌ عَنهُ وَلا مُتَأَخّرُ (18)

عن كعب أنه رأى قوما من الحجاج فقال : لو يعلم هؤلاء ما لهم بعد المغفرة لقرت عيونهم (19) وعن كعب قال : إذا كبر الحاج والمعتمر والغازي كبر المرتفع الذي يليه ثم الي يليه حتى ينقطع في الأفق (20)، وعن سعيد بن جبير قال : ما أتى هذا البيت طالب حاجة لدين أو دنيا إلا رجع بحاجته (21) ،وعن عمر قال : إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمره فإنهما أحد الجهادين (22) ،وعن الحسن أنه قيل له : الناس يقولون : إن الحاج مغفور له قال : إنه ذلك أن يدع سيء ما كان عليه (23)،و عن عمر قال : تلقوا الحجاج والعمار والغزاة فليدعوا لكم قبل أن يتدنسوا (24)

عن حبيب بن أبي ثابت قال : كنا نلتقي الحجاج فنصافحهم قبل أن يقارفوا (25)

إن كنت حاولت ذنبا أو ظفرت به * فما أصبت بترك الحج من ثمن (26)

——————————————————————————–

(1) سورة البقرة ، آية : 97.

(2) سورة الحج ، آية : 27.

(3)تفسير القرطبي (12/ 38)

(4)البحر المديد ـ موافق للمطبوع (4/ 612)

(5)سورة الحج ، آية : 27.

(6)شعب الإيمان للبيهقي (7/ 537) ورجاله ثقات

(7)سورة البقرة ، آية :197.

(8)أخرجه : مسلم 4/102 ( 1337 ) ( 412 ) .وأخرجه : أحمد 2/508 ، والنسائي 5/110-111 ، والطبري في ” تفسيره ” ( 9980 ) ، وابن حبان ( 3704 ) ، والدارقطني 2/247 ( 2679 ) ( طبعة دار الكتب العلمية ) من حديث أبي هريرة ، به .

(9)أخرجه الطبراني وقال الماوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 928) اسناده حسن

(10) رواه البخاري

(11)أخرجه أحمد وابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي

(12)أخرجه الأصبهاني

(13)المنثور لابن الجوزي (ص: 10)

(14)مصنف ابن أبي شيبة (4/ 392)

(15)أخرجه الأزرقي

(16) سورة البقرة ، آية : 268 .

(17) سورة التوبة ، آية 92 .

(18)اللطائف (ص: 13)

(19)مصنف ابن أبي شيبة (4/ 190)

(20)أخرج مصنف ابن أبي شيبة (4/ 190)

(21)أخ مصنف ابن أبي شيبة (4/ 192)

(22) مصنف عبد الرزاق (5/ 174)

(23)أخرجه البيهقي في الشعب

(24)أخرجه ابن أبي شيبة

(25)أخرجه ابن أبي شيبة

(26)تفسير القرطبي (1/ 334)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى