فما ظنكم برب العالمين

71

الحمد لله أمر بعبادته، وإفراده بالتوحيد ، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه  وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس  ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله حق التقوى، وتوكلوا على الله حق التوكل، وأحسنوا ظنكم برب العالمين. قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]).

أيها الموحدون: إن الله خلق الخلق؛ لعبادته، وتحقيق توحيده. قال الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) ([2]): قال البخاري رحمه الله: أي «مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ» ([3]).فعلينا أن نعبد الله وحده، وأن نحذرَ الشركَ والبدعَ، وأن نتوكلَ على الله حقَ التوكل، ونعتمدَ على الله في حياتنا كلها. قال الله تعالى: ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ([4])، وعلينا أن نُخلص لله في عبادتنا. قال الله تعالى:( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ([5])، وعلينا أن نُحسنَ الظنَ بالله عز وجل . قال الله عز وجل: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ([6]). عن قتادة قال:  أي إذا لقيتموا الله وقد عبدتم غيره ([7]).قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ) ([8])، و عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» ([9]).
إخوة الدين والعقيدة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإحسان الظن بالله، وإحسانُ الظنِ بالله أن نَعبُدَه ونتوكلَ عليه، ونَخافَه، ونَعتمِدَ عليه، ونفوضَ أمورنا إليه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ” ([10]). قال ابن بطال رحمه الله: قوله: (أنا عند ظن عبدى بى) لا يتوجه إلا إلى المؤمنين خاصة أى: أنا عند ظن عبدى المؤمن بى، وفى القرآن آيات تشهد أن عباده المؤمنين وإن أسرفوا على أنفسهم أنه عند ظنهم به من المغفرة والرحمة، وإن أبطأت حينا وتراخت وقتا لإنفاذ ما حتم به، على من سبق عليه إنفاذ الوعيد تحلة القسم؛ لأنه قد كان له أن يعذب واحد أبدا كإبليس، فهو عند ظن عبده، وإن عاقبه برهة فإن كان ظنه به ألا يعذبه برهة، ولا تحلة فإنه كذلك يجده كما ظن إن شاء الله فهو أهل التقوى وأهل المغفرة ([11]).
عباد الله: من خاف الله عبده وحده، ولم يشرك به شيئا، وتوكل على الله ، وأحسن الظن بالله ، ولم يخش أحداً إلا الله، ولم يخف على دنيا تخوفته، وتفوت أبنائه وبناته ، ولم يغتمْ من مصيبةٍ تُصيبُهُ، ولم يجزعْ لموتِ قريبٍ أو حبيبٍ، إنما زادُهُ الصبرُ والتسليمُ لرب العالمين ، ولم يسخطْ، إنما سلَّمَ أمرَه إلى الله، فهو الذي أحسن ظنه برب العالمين. قال الله عز وجل:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ  أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ([12]). قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نِعْمَ العِدْلاَنِ، وَنِعْمَ العِلاَوَةُ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} ([13]) ([14]).

 د. سعد بن عبدالله السبر

17 ربيع ثاني1444

([1]) سورة آل عمران، آية: 102.

([2]) سورة الذاريات، آية:56.

([3]) صحيح البخاري (6 / 139).

([4]) سورة المائدة ، آية:23.

([5]) سورة الكهف، آية: 110.

([6]) سورة الصفات، آية: 87.

([7]) ينظر: تفسير الطبري (21 / 63) .

([8]) سورة النساء، آية:48.

([9]) رواه مسلم حديث رقم ( 93).

([10]) رواه البخاري حديث رقم (749025) ، و رواه مسلم حديث رقم (2675).

([11]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (10 / 500  -501) .

([12]) سورة البقرة، آية:155-157.

([13]) سورة البقرة، آية:156-157.

([14]) صحيح البخاري (2 / 83).

قد يعجبك ايضا