(قم الليل إلا قليلا) د. سعد السبر

5

الحمد لله حث على المسارعة للخيرات، والمبادرات للطاعات، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام، و تهجد وقام،  وصام وطاف بالبيت الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم ونفسي ـ أيها الناس ـ بتقوى الله عز وجل؛ فهي الحِصْنُ المكينُ، والثباتُ وقتَ تطاير الدواوين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]).

أيها المؤمنون: إن الله قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا  أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ) ([2])، وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ..) ([3]).{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ([4]).

إخوة الدين والعقيدة: إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك كن يقوم الليل ويناجي ربه ويحرص على قيام الليل في سفره وحضره، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ» ([5]).قال ابن بطال رحمه الله: كان (صلى الله عليه وسلم) يطول في السجود في خلوته ومناجاته لله شكرا على ما أنعم به عليه، وقد كان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وفيه: الأسوة الحسنة لمن لا يعلم ما يفعل به أن يمتثل فعله (صلى الله عليه وسلم) في صلاته بالليل وجميع أفعاله ويلجأ إلى الله في سؤال العفو والمغفرة، فهو الميسر لذلك عز وجهه وكان السلف يفعلون ذلك، قال أبو إسحاق: ما رأيت أحدا أعظم سجدة من ابن الزبير. وقال يحيى بن وثاب: كان ابن الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره، وما تحسبه إلا جرم حائط([6])، وقال رحمه الله: قيام الليل ينجى من النار ([7]).

أيها الموحدون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث أهله والمسلمين على قيام الليل، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» ([8])، و عن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةً، فَقَالَ: «أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} ([9]) ([10]).

وكتبه / د. سعد السبر

1442/3/20

(([1] سورة آل عمران، آية:102.

(([2] سورة المزمل،آية:1-4.

(([3] سورة المزمل،آية:20.

(([4] سورة الإسراء ،آية:79.

(([5] رواه البخاري باب {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما}حديث رقم 4837صحيح البخاري (6 / 135)، ورواه مسلم  باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة حديث رقم 2829 صحيح مسلم (4 / 2172).

(([6] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3 / 112 -113).

(([7] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3 / 111).

(([8] رواه البخاري باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب حديث رقم 1126صحيح البخاري (2 / 49).

(([9] سورة الكهف، آية: 54.

(([10] رواه البخاري بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ حديث رقم صحيح البخاري (2 / 50).

قد يعجبك ايضا