(كانوا قليلا ما يهجعون) د. سعد السبر
الحمد لله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، أحمده سبحانه على جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الورى، وأفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله حق التقوى، فهي حصنكم من الشرك بعد الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]).
أَيُها المؤمنون: إنَّ الله عز وجل قال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} ([2] ) عن شقيق قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: فاتتني الصلاة الليلة، فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكورا ([3] ).
أيها المسلمون: أقبل الشتاء فطال الليل، فهنيئا لمن قامه ، وهنيئا لمن صام النهار، ولقد مدح الله المؤمنين فقال:{كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }([4] ) .عن الحسن، قال: مدّوا في الصلاة ونشطوا، حتى كان الاستغفار بسحر ([5] )، وإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) ([6] ). وقال مجاهد عن قوله تعالى في وصف المؤمنين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ) ([7] ) يقومون يصلون من الليل ([8] ).
إخوة الدين: إن آخر الليل وقت عظيم فيه إجابات الدعوات والعطاء والمغفرة من الله جل جلاله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ” البخاري ومسلم ([9] )، فالحذر من تضييع الليل في السهر ، وتركِ قيام الليل وتركِ مناجاة الغفور الرحيم المجيب.
أيها الموحدون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل، ويحافظ على صلاة الليل في السفر والحضر، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَجِيءَ المُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ» البخاري ([10] ).
عباد الله: حافظوا على قيام الليل، فنبينا صلى الله عليه وسلم حافظ عليه ولم يتركه ولو فاته قضاه، فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً» مسلم ([11] ). وقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُهُ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ، أَوْ كَسِلَ، صَلَّى قَاعِدًا» أبوداوود ([12] )، وقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ» وَالفُطُورُ: الشُّقُوقُ ([13] ).
1443/3/30
وكتبه/ د. سعد بن عبدالله السبر
([1]) سورة آل عمران، آية: 102.
([3]) تفسير الطبري (19 / 290).
([4]) سورة الذاريات، آية:17-18.
([5]) تفسير الطبري (22 / 409).
([8]) تفسير الطبري (20 / 180).
([9]) رواه البخاري (1145) ورواه مسلم (758).
([12]) رواه أبوداوود (1307)، وصححه الألباني
([13]) رواه البخاري في بَابُ: قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ معلقا بصيغة الجزم.