ليس منا من خبب امرأة على زوجها
الحمد لله خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير البرية وأزكي البشرية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس، ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي الشرعة والمنهج، والطريق الأسلم، فاتقوا الله حق التقوى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون) ([1]).
أيها المؤمنون: إن الله أخبرنا بأهمية عقد النكاح، وبأن ميثاق غليظ بين الزوجين، قال الله تعالى:”وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا“. عن قتادة الميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: “آلله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان” ([2] )، فالحياة الزوجية حياة لعبادة الله ولبناء أسرة موحده تعيش في بيت يقوم على طاعة الله وتوحيده، في حياة سعيدة تقوم على المحبة والرحمة والتعاون.
إخوة الدين: إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرّ من تخبيب الزوجة على زوجها ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيّده» ([3] ) . قال ابن القيم رحمه الله: (من خبب) أي خدع وأفسد (امرأة على زوجها) بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندها ([4] )، أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك ([5] )، وقد لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من فعل ذلك وتبرأ منه، وهو من أكبر الكبائر ([6] ).قال ابن تيمية رحمه الله: سعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين. لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها ([7] ).
وجاء في فتاوي اللجنة الدائمة للإفتاء: يحرم إفساد المرأة على زوجها وتخبيبها عليه، سواء كان المخبب من الأقارب أو غيرهم، فقد أخرج النسائي وأبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده واللفظ لأبي داود ([8] ).
عباد الله: إن هذا التفريق بين الزوجين من أعظم الكبائر والذنوب، فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ” قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ» ([9] )، فالحذر من الدخول بين الزوجين والإفساد بينهم، وقد يريد الإصلاح ، ولكنه يسلك طريق الإفساد والتفريق بين الزوجين وهدم الأسرة، فكم تدخلٌ أفسد، ولو كان من أبوي الزوج أو أبوي الزوجة.
12 محرم1443
([1]) سورة آل عمران، آية: 102.
([3]) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( 2175 )، والنسائي( 9170) ، وابن حبان ( 5560)وصححه الألباني.
([4]) عون المعبود وحاشية ابن القيم (6 / 159).
([5]) عون المعبود وحاشية ابن القيم (14 / 52).
([6]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص: 216).