خطب الشيخ سعد السبر

سلامة الصدر دليل الإيمان – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

3/7/2007

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

اللهم لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أنت أحق من عبد وأرأف من ملك وأكرم من سؤل وأوسع من أعطى وأقوى من استنصر وأعز من نصر ، القلوب إليك مفضية والسر عندك علانية ، لا تطاع إلا بإذنك ولا تعصى إلا بعلمك تطاع فتشكر وتعصى فتغفر ، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت لك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن لك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وأظهرت أمننا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على حمدنا إياك . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد : فتمسكوا عباد الله بوصية الله لكم إذا يقول في كتابه الكريم : ( يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1) فهي راحة الصدور وبستان النفوس وجنة الروح

أيها الناس شرف الزمان يعيشه المؤمن فينهله منه لينظروا في ملكوت السموات ويتعرض لنفحات ربه إن لربكم نفحاتٌ تعرضوا لنفحات ربِكم ويفرح بما يميز أمة الإسلام الصفاء والنقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات، والتماسك والترابط ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا )(2) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً).(3)

لقد امتن على نبيه بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (4) . وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد وقال النبي : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فإن الغضب طريق إلى التهكم بالناس والسخرية منهم وبخس حقوقهم وإيذائهم وغير ذلك مما يولد البغضاء والفرقة.

3 – النميمة: وهي من أسباب الشحناء وطريق إلى القطيعة والتنافر ووسيلة إلى الوشاية بين الناس وإفساد قلوبهم، قال تعالى ذاما أهل هذه الخصلة الذميمة: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ وقال: لا يدخل الجنة فتان وهو النمام. وما أكثرها بين القرابات والجيران وخصوصا النساء فالمرأة تسعى جاهدة لتفريق شمل أسرة زوجها الزوج الضعيف المسكين يستجيب وينفذ كأنها معصومة حتى تتقطع آواصر القرابة بينه وبين أهله ثم أبيه وأمه.

4 – الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها وفيه تعد وأذى للمسلمين نهى الله عنه ورسوله قال: (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)رواه أبوداود والحسد يولد الغيبة والنميمة والبهتان على المسلمين والظلم والكبر قال ابن سيرين ما حسدت أحدا على شيء من الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير الى الجنة وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى النار عنه الحسد من أخلاق اللئام وتركه من أفعال الكرام ولكل حريق مطفيء ونار الحسد لا تطفأ

ومن الحسد يتولد الحقد والحقد أصل الشر ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتا مرا مذاقه نماؤه الغيظ وثمرته الندموالحسد هو اسم يقع على إرادة زوال النعم عن غيره وحلولها فيه فأما من رأى الخير في أخيه وتمنى التوفيق لمثله أو الظفر بحاله وهو غير مريد لزوال ما فيه أخوه فليس هذا بالحسد الذي ذم ونهى عنه.

ولا يكاد يوجد الحسد إلا لمن عظمت نعمة الله عليه فكلما أتحفه الله بترداد النعم ازداد الحاسدون له بالمكروه والنقمقال أبو حاتم رضى الله عنه بئس الشعار للمرء الحسد لأنه يورث الكمد ويورث الحزن وهو داء لا شفاء له

إني نشأت وحسادي ذوو عدد … ياذا المعارج لا تنقص لهم عددا …

إن يحسدوني على ما كان من حسن … فمثل خلقي فيهم جر لي حسدا…

5 – التنافس على الدنيا: خاصة في هذا الزمن حيث كثر هذا الأمر واسودت القلوب، فهذا يحقد على زميلة لأنه نال رتبة أعلى، وتلك تغار من أختها لأنها حصلت على ترقية وظيفية، والأمر دون ذلك فكل ذلك إلى زوال.

وما هي إلا جيفة مستحيلة *** عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها

6 – حب الشهرة والرياسة: وهي داء عضال ومرض خطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير ). وهذا مشاهد في أوساط الموظفين والعاملين.

7 – كثرة المزاح: فإن كثيره يورث الضغينة ويجر إلى القبيح والمزاح كالملح للطعام قليله يكفي وإن كثر أفسد وأهلك. قال ربيعة رحمه الله إياكم والمزاح فإنه يفسد المودة ويغل الصدر وهناك أسباب أخرى غير هذه.

إخوة العقيدة إن المسلم مطالب بتزكية نفسه والبعد عن الغل والحقد والحسد، ومما يعين على سلامة الصدر:

أولاً: الإخلاص: عن زيد بن ثابتقال: قال رسول الله: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) رواه أحمد وابن ماجه , ومن المعلوم أن من أخلص دينه لله عز وجل فلن يحمل في نفسه تجاه إخوانه المسلمين إلا المحبة الصادقة، وعندها سيفرح إذا أصابتهم حسنة، وسيحزن إذا أصابتهم مصيبة؛ سواءً كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة.

ثانياً: رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به:

قال ابن القيم رحمه الله في الرضا: ( إنه يفتح للعبد باب السلامة، فيجعل قلبه نقياً من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا.

ثالثاً: قراءة القرآن وتدبره : فهو دواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: (قُل هُوَ لِلذِينَ ءَامَنُوا هُدىً وَشِفَآءٌ) ، وقال: (وَنُنَزِلُ مِنَ القُرءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَاراً) قال ابن القيم رحمه الله: ( والصحيح أن “من” ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: يَاأيُها النّاسُ قَد جَآءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِكُم وَشِفَآءٌ لِمَا فىِ الصُدُورِ فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.

رابعاً: تذكر الحساب والعقاب: الذي ينال من يُؤذي المسلمين من جراء خُبث نفسه وسوء طويته من الحقد والحسد والغيبة والنميمة والإستهزاء وغيرها.

خامساً: الدعاء : فيدعو العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليماً على إخوانه، وأن يدعوا لهم أيضاً، فهذا دأب الصالحين، قال تعالى: (وَالذِّينَ جَآءُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَنَا اغفِر لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجعَل في قُلُوبِنَا غِلاً لِلّذِينَ ءَامَنُوا رَبَنَا إنّكَ رَءُوفٌ رّحِيم)

سادساً: الصدقة : فهي تطهر القلب، وتُزكي النفس، ولذلك قال الله تعالى لنبيه: خُذّ مِن أموالِهم صَدَقَةً تُطَهِرُهُم وَتُزَكِيِهِم بِهَا

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ( داووا مرضاكم بالصدقة )الألباني وإن أحق المرضى بالمداواة مرضى القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.

أيها الأحبة في الله هاكم مثال على أثر الصدقة في سلامة الصدر يضربه لنا الصديق رضي الله عنه فقد تكلم مع المتكلمين في حادثة الإفك صحابي اسمه مسطح وكان قريباً لأبي بكر وكان الصديق يحسن إليه ، فإذا به يجده يتلكم مع الناس في أثمن ما يملك الرجل وجده يتكلم في عرض ابنته الطاهرة المبرأة من فوق سبع سماوات فلما نزلت البراءة من الله للصديقة بنت الصديق زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراد الصديق أن يقطع ما كان له من إحسان على مسطح ولكن ذلك العمل لم يكن يناسب تلك النفوس الطاهرة والنجوم التي يقتدى بها فنزل العتاب الرباني لأبي بكر في قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فاستجاب الصديق له استجابة فورية وقال بلى والله أحب أن يغفر الله لي وأعاد إحسانه لمسطح.

سابعاً: تذكر أن من تنفث عليه سُمُومك، وتناله بسهامك هو أخ مُسلم:

ليس يهودياً ولا نصرانياً بل يجمعك به رابطة الإسلام. فلِمَ توجه الأذى نحوه.

ثامناً: التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات: – التمس لأخيك سبعين عذرًا. – يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه. – يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان. – تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته. – استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات تاسعاً: ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس:

امتثالاً لقول النبي : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) رواه الترمذي

عاشراً: محبة الخير للمسلمين : لقوله (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …….

الحمد لله الكبير المتعال يعلم خائنة الأعين وما تفي الصدور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون

عباد الله ومن أسباب علاج الصدور

الحادي عشر: عدم الاستماع للغيبة والنميمة : حتى يبقى قلب الإنسان سليماً: قال: ( لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) رواه أحمد, والكثير اليوم يلقي بكلمة أو كلمتين توغر الصدور خاصة في مجتمع النساء وفي أوساط البيوت من الزوجات أو غيرهن.

الثاني عشر: إصلاح القلب ومداومة علاجه:

الثالث عشر: السعي في إصلاح ذات البين: قال تعالى: (فَاتَقُوا اللّهَ وَأصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم) قال ابن عباس رضي الله عنه: ( هذا تحريم من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم.

وقال ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال إصلاح ذات البين) رواه أبو داود

جعل الله قلوبنا سليمة لا تحمل حقداً ولا غلاً على المسلمين، الآ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين كما أمركم الله بذلك فقال إن الله.

_____________________
(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .

(2) الحشر :10

(3) سورة آل عمران ، آية : 103 .

(4) سورة الانفال :62

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى