والذين هم لفروجهم حافظون د. سعد السبر
الحمد لله أحل النكاح،وحرّم الشذوذ والسفاح، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه، وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في ربوبيته ، وفي ألوهيته ، وفي أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([1]).
أيها الموحدون: إن الله جعل لنا آية من آياته ، أنعم علينا بها ، فقال الله عز وجل
: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ([2]) .
قال الطبري رحمه الله:يقول تعالى ذكره: ومن حججه وأدلته على ذلك أيضا خلقه لأبيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها، وذلك أنه خلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم، و عن قَتادة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) خلقها لكم من ضلع من أضلاعه.وقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودة تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها، (وَرَحْمَةً) رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض ([3]) . فجعل الله النكاح طريقا للمحبة والمودة وبناء الأسرة وبقاء الجنس البشري،وحرّم الله الشذوذ كله؛ لأنه خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليه، ولأنه يخالف الشرع ، وكبيرة من الكبائر العِظام.
أيها المؤمنون: إن بعض غير المسلمين يحاول فرض الشذوذ على العالم وتسمية بأسماء غير التي وردت في الشريعة، فسموا اللواط بين الرجال ، والسحاق بين النساء ، مثلية؛ لترقيق هذه الكبائر العظيمة، ولتسهيلها على أنفسهم،ومما يّحمد الله عليه ويشكر أن حرّم هذه الكبائر وجعلها من العظائم ، وأن علّمنا ديننا الذي ارتضاه لنا، ثم يشكر ولاة ُ أمرنا وفقهم الله وجزاهم الله عنا خير الجزاء أن وقفوا لمشروع الشذوذ بالمرصاد ورفضوه رفضا قاطعا؛ لأنه جريمة، وكبائر عظيمة، ومخالف لشرع رب العالمين، فاحذروا من تسميتهم للواط والسحاق بالمثلية واحذروا من ألفاظهم ومسمياتهم، فإتيان الرجل الرجل لواط ، وإتيان المرأة المرأة سحاق، وكله شذوذ وفجور وكبائر ومحادة لله رب العالمين .
إخوة الدين والعقيدة: إن اللواط كبيرة من أعظم الكبائر التي حرّمها الله، وهو إتيان الرجل الرجل في دبره. قال الله تعالى:( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ([4]) ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ» ([5]).
،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «… مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ» ([6]) .. .قال الإمام ابن قدامة : أجمع أهل العلم على تحريم اللواط ([7]) .
أيها المؤمنون: إن الميل الفطري الطبيعي هو ميل الرجل للمرأة ، وميل المرأة للرجل ، ويتم لهم الخير بالنكاح، وأما ميل الشخص لواحد من بني جنسه ميل الشهوة والرغبة، فهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فكيف تميل المرأة للمرأة وتترك النكاح الذي أحله الله لها؟قال الإمام ابن قدامة:وإن تدالكت امرأتان، فهما زانيتان ملعونتان ([8]).. فالله عز وجل نهانا عن الكبائر كلها وحرّمها، فقال الله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) ([9]) ، فمن لم يجتنب الكبائر فهو على خطر عظيم ،وسئل علماء اللجنة الدائمة :ما حكم المساحقة والاستمناء ؟ .
فأجابوا :المساحقة بين النساء حرام ، بل كبيرة من كبائر الذنوب لكونها عملا يخالف قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) ([10]) وكذا الاستمناء محرم ؛ لهذه الآية الكريمة ؛ ولما فيه من الضرر العظيم . ([11])
عباد الله: قال ابن عبد البر المالكي رحمه الله :” على المرأتين اذا ثبت عليهما السحاق : الأدب الموجع والتشريد ” ([12]) ،وقال الخرشي المالكي رحمه الله :” شرار النساء إذا فعل بعضهن ببعض ، وإنما في هذا الفعل الأدب باجتهاد الإمام ” انتهى باختصار من ” ([13]) ،وقال ابن رشد رحمه الله :” هذا الفعل من الفواحش التي دل القرآن على تحريمها بقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون ) إلى قوله ( العادون ) ، وأجمعت الأمة على تحريمه ، فمن تعـدى أمر الله في ذلك وخالف سلف الأمة فيه كان حقيقا بالضرب الوجيع ([14]).
([1]) سورة آل عمران، آية:102.
([2]) سورة الروم، آية: (21).
([3]) تفسير الطبري (20 / 86).
([4]) سورة الأعراف، آية:80 ، 81.
([5]) رواه الترمذي ( 1457 ) وابن ماجه ( 2563 ) .والحديث : قال صححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” صحيح الجامع ” رقم ( 1552 )
([6]) . رواه أحمد ( 1878 ) .والحديث : صححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” رقم. ( 5891 )
([7]) المغني لابن قدامة (9 / 60).
([8]) المغني لابن قدامة (9 / 61).
([9]) سورة النساء، آية: 31.
([10]) سورة المؤمنون، آية: 5 – 7 .
([11]) فتاوى اللجنة الدائمة ( 22 / 68 ) .
([12]) انتهى من ” الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 1073)
([13]) شرح مختصر خليل(8/78)
([14])البيان والتحصيل (16/323) .