” ولا تتبعوا السبل ” خطبة
خطبة: ولا تتبعوا السبل
الجمعة 16 ربيع الأول 1443هـ للشيخ محمد السبر
الحمد لله الذي حثَّنا على الاعتصام بالكتاب والسنَّة، ونهانا عن البدعة والفرقة، أحمده سبحانه وأشكره على ما أسدى فهو ذو الفضل والمنَّة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الناس والجِنة، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه قائدُ المؤمنين ودليلُ الملة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه واتباعه في السرَّاء والمُلِمَّة.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون(.
عباد الله: إن الله تعالى أمر بالاجتماع على الحق ونهى عن التفرق والاختلاف فقال تعالى: ” إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون”، كما أمر سبحانه العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن السُبل والطرق التي تصرف عن الحق، فقال سبحانه: ” وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”.
وإنما يكون اتباع صراط الله المستقيم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنّ مِن السبل التي نهى الله تعالى عن اتباعها المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال : ” هذا سبيل الله مستقيماً”، ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ : ” وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله” رواه الإمام أحمد. وقال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:” فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله” وقوله: ” أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
الاعتصام بالكتاب والسنة، هو سفينة النجاة، وأساس اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والوقاية من الشرور والفتن، قال تعالى: ” واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا “.
ولذلك جاءت شريعة الإسلام بالحث على الاجتماع، وذم الحزبيات والجماعات التي تفرق الناس، ومنها الجماعات التي تجعل لها رئيسًا أو مرشدا تتبعه وتجعل له بيعة. يقول الشيخ الفقيه محمد بن عثيمين رحمه الله:” ليس في الكتاب ولا السنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات، بل فيها ما يذم ذلك؛ حيث قال تعالى: ” إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء”.. ويقول الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله: ” كل جماعة تضع لها نظامًا، ورئيسًا، وتأخذ له بيعة، ويريدون الولاء لهم؛ هؤلاء يفرقون الناس”. .
وقد سئلت اللجنة الدائمة ورئيسها – إذ ذاك – سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: عن حزب التحرير وحزب الإخوان المسلمين فأجابت: بأنه لا يجوز أن يتفرق المسلمون في دينهم شيعًا وأحزابًا، يلعن بعضهم بعضًا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، فإن هذا التفرق مما نهى الله عنه وذمّ من أحدثه أو تابع أهله، وتوعّد فاعليه بالعذاب العظيم، وقد تبرأ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم منه..”.
فعُلم من هذا – عباد الله – أن كل ما يؤثر على وحدة الصف والاجتماع حول ولاة أمور المسلمين من تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرمٌ بدلالة الكتاب والسنة وإجماع عموم سلف الأمة.
وهذا أصل عظيم متفق عليه بين علماء المسلمين، ومستمد من الوحيين، وهو أن الجماعة واحدةٌ رأسها ولي الأمر، والبيعة له، ولا يجوز في ظل سلطانه أن تتكون جماعة أخرى لها بيعة وتنظيم، فالجماعة واحدة، والولاية واحدة، والبيعة واحدة لا ثاني لها، هذا هو منهج الإسلام، الذي قرَّره الكتاب والسنة، وسار عليه سلف هذه الأمة كابراً عن كابر.
المزيد من المشاركات