حوار البيعة والخروج مع الشيخ سعد السبر

الداعية والخطيب الشيخ سعد السبر:
العدد 2096 | 21 جمادى الأولى 1428 هـ
– هؤلاء البغاة أقدموا على مبايعة جاهلة فاجرة أمام الكعبة
– هؤلاء المفسدون محاربون لله ولرسوله وجزاؤهم كما هو نص القرآن القتل والصلب والنفي من الأرض
– النصوص القرآنية ترفض الإفساد في الأرض بشكل واضح لما فيه من الظلم والاعتداء والله لا يحب المعتدين والظالمين
الرياض – د· عقيل العقيل:
من الأمور المؤسفة والمحزنة لكل مسلم ما حدث من هذه الفئة الباغية التي أهلكت الحرث والنسل وأساءت للبلاد والعباد بدعوى الجهاد ونصرة الأمة وهم أبعد الناس عن ذلك، بل هم خدم للأعداء وعملوا ما عجز عنه الأعداء ومن تقليعاتهم وضلالهم أن بايع مجموعة منهم رجلاً اتخذوه إماماً لهم بايعوه في الحرم عند الكعبة وتكاتفوا معه على نصرته حول هذا المنهج الخطير وما يحدثه من شر وضرر على الأمة أجمع التقينا فضيلة الشيخ سعد بن عبدالله السبر إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله بن جارالله بالرياض والداعية المعروف:
* ما رأيكم في الأحداث الدائرة والفساد الحاصل؟
– لقد ابتليت الإنسانية والأمة الإسلامية على وجه الخصوص بمأساة شديدة الوطأة عظيمة التدمير ونادرة القسوة وذلك لدخولها في الحرب الشاملة للإرهاب التي جاءت لتدمير وتشويه الإنسانية المتجسدة في الإسلام المحمدي الذي ما كان وما وجد إلا لإتمام وترسيخ وبث ونشر مكارم الأخلاق الإلهية التي تجسدت في شخوص أنبياء الله المرسلين وخاتمهم رسول الأخلاق وتمامها نبي الرحمة الكاملة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم· “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ولكن الفساد والإفساد الذي جاءت الشريعة المحمدية برده ورفضه انتشر وانفضح·
فالمتأمل للنصوص القرآنية يجدها ترفض الفساد في الأرض بشكل واضح لما فيه من الظلم والاعتداء والله لا يحب المعتدين والظالمين، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ } (90) سورة النحل· وقوله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (183) سورة الشعراء · وغيرها من الآيات التي تنهى عن الفساد في الأرض ولا تنهى عنه فقط وإنما تأمر بمحاربته ومحاربة من يقوم به كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ } (33) سورة المائدة وهؤلاء المفسدون هم محاربون لله ورسوله لأنهم خالفوا أمر الله وما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من أوامر الإسلام ونواهيه وجعلوا ما يقومون به من أعمال العنف والتخريب تحت غطاء الإسلام وبحجة تطبيق الشريعة وهذا خطر كبير يواجه الإسلام ويشوّه معالمه السمحة· هؤلاء جزاؤهم كما بينته الآية الكريمة القتل والتصليب والنفي من الأرض وقوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } (83) سورة القصص· معنى (فساداً) فيه ثلاثة تأويلات: الأول أنه الأخذ بغير الحق، الثاني: أنه العمل بالمعاصي والثالث أنه قتل الأنبياء والمؤمنين وفي قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } (41) سورة الروم· معنى الفساد فيه أربعة أقاويل: الأول: الشرك، الثاني: ارتكاب المعاصي، الثالث: قحط المطر، الرابع: قتل ابن آدم أخاه وفساد البحر هو أخذ السفينة غصباً· فمن هنا يتبين أن الفساد هو كل عمل يخالف الشرائع والسنن الإلهية بما ينشر الخراب في البلاد والظلم للعباد·
وهنا يطرح سؤال: إن كان المقصود من الفساد هو القتل والتخريب وارتكاب المعاصي فلماذا في أغلب الآيات يرد القتل بصورة منفصلة عن الفساد فأما يرد مصطلح الفساد قبل القتل أو بعده؟
– لعله لعظمة جريمة القتل ومدى أثرها في المجتمع كما في قوله تعالى: { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } (32) سورة المائدة وهذا دليل على بشاعة هذه الجريمة والتي تعادل كل الفساد على الأرض ففي القتل تخريب للأرض وإشاعة الخوف بين الناس وزهق الأرواح البريئة وتقوية للمجرمين على أفعالهم القذرة إن لم يكن هناك رادع، فأي فساد أكبر من هذا كما في قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة أي أن الله سبحانه وتعالى جعل إهلاك الحرث والنسل ضمن الفساد· قال العباس بن الفضل: الفساد هو الخراب· وأعمال القتل والتخريب التي تقوم بها فئة من الناس وصلوا إلى درجة الانقياد كالأنعام، بل هم أضل سبيلا كما وصفهم جلّ وعلا: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان وهـــــؤلاء لم يصلوا إلى هذه المرحلة إلا بعد أن استحوذ عليهم الشيطان وزيَّن لهم سوء أعمالهم فأصبحوا في ولايته يتبعون أهواءهم وبذلك يكون الإنسان في احتناك الشيطان أي الإلجام الذي ذكره الله تعالى في قوله: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} (62) سورة الإسراء .على لسان إبليس، وبهذا يكون الإنسان لا حول له ولا قوة تحت سيطرة الشيطان، من قبل الشيطان فكل ما يأمره به يفعل ومن هنا يبدأ الفساد·
* ما رأيكم في جهود رجال الأمن في ظل هذه الأحداث؟
– إن من نعم الله علينا في هذه البلاد ما حصل في الأيام الأخيرة من فضل الله علينا الذي حمانا ووقانا ووفَّق رجال أمننا البواسل في كشف هذه الخلايا التي أرادت محاربة الله ورسوله وقتل المؤمنين والآمنين والخروج على إمام المسلمين ولكن كان جنودنا لهم بالمرصاد فجزاهم الله عنا خير الجزاء ونسأل الله أن يوفّقهم ويسددهم ويحفظهم ويحفظ أبناءهم وبناتهم وأقاربهم وأموالهم وأنفسهم وأن يعفو لأمواتهم الذين قدموا أنفسهم دفاعاً عن بلاد تحكِّم شرع الله· فنسأل الله أن يتقبلهم ويغفر لهم ويتجاوز عنهم وأن يصلح ذراريهم وأن يجعل ما قدموا في ميزان حسناتهم ويجب علينا أن نتعاون معهم ونكون كلنا جنداً معهم لحفظ ديننا وبلدنا وأمتنا وأبنائنا وبناتنا وأعراضنا وولاتنا وخيراتنا ليس مجاملة لأحد أو تقرباً لكائن من كان إنما ديانة ندين الله بها·
* نود منكم إيضاح الآثار المترتبة على عدم وجود ولي أمر والخروج عليه وهل يجوز ذلك، وما هي عقيدة أهل السنّة والجماعة في ذلك؟
– توفيق الله لجنودنا البواسل بكشف هذه الخلايا التي تريد هلاك الحرث والنسل، ودمار البلاد والعباد ظهر فيه فكر جديد وأمر خطير، ألا وهو قيام هؤلاء الجهلة البغاة بمبايعة جاهلهم وفاجرهم عند الكعبة وهذا دليل على جهلهم وخروجهم على ولاتنا ومعلوم ما جاءت به الشريعة من وجوب السمع والطاعة لمن ولاَّه الله أمرنا وسطره علماؤنا في ذلك مقررين عقيدة أهل السنة والجماعة قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والإفتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد· قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في السياسة الشرعية: قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الآية الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا ولاة الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك· إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يفعل ولاة الأمور ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله؛ لأن ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله، قال تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (2) سورة المائدة.
وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذا جماع السياسة العادلة، والولاية الصالحة وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا، وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في مكرهنا ومنشطنا وعسرنا، وألا تنازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً، عندكم فيه من الله برهان”·
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّية يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية فقُتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه”· وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الغزو غزوان: فأما من ابتغى به وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، فإنه نومه ونبهته أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياء، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف” رواه أبو داود والنسائي وعن ابن عمر مرفوعاً: “الأمير يُسمع له ويُطاع، فيما أحب وكره، إلا أن يأمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” أخرجاه ولمسلم عن حذيفة مرفوعاً: “تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيكون فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس” قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: “تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع”· وفي حديث الحارث الأشعري الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه”، قال الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن رحمهما الله تعالى: “وهذه الخمس المذكورة في الحديث ألحقها بعضهم بالأركان الإسلامية، التي لا يستقيم بناؤه ولا يستقر إلا بها، خلافاً لما كانت عليه الجاهلية من ترك الجماعة والسمع والطاعة”·
لقد بيّن سلفنا أهمية وجود ولي أمر والضرر المترتب في حال عدم جود ولاة الأمر وما حال العراق إلا خير شاهد فكيف حال إخواننا قبل الاحتلال الأمريكي وحالهم الآن، فرق بين الحالتين كما الفرق بين السماء والأرض· قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية: “يجب أن يُعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس· إلى أن قال: فإن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب الله تعالى من الجهاد والعمل وإقامة الحج والجّمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود، لا يتم إلا بالقوة والإمارة· ولهذا رُوي: “أن السلطان ظل الله في الأرض” ويقال: “ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان”· والتجربة تبيِّن ذلك· ولهذا كان السلف؛ كالفضيل بن عياض، وأحمد بن عقيل، وغيرهما يقولون: “لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان، إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرَّب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات· وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة والمال” انتهى كلامه رحمه الله·
وقال ابن رجب رحمه الله في شرح الأربعين “وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم· كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجراً عَبَدَ المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله”·
وقال الحسن في الأمراء: “وهم يَلُونَ من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم؛ وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغيظ، وإن فرقتهم لكفر” انتهى·
وقال ابن مفلح في الآداب: قال حنبل اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبدالله – يعني الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى- وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه، فناصرهم في ذلك، وقال: “عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، ويُستراح من فاجر· وقال: ليس هذا – يعني نزع أيدهم من طاعته- صواباً، هذا خلاف الآثار·
إذاً فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة، تبيَّن أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والإفتيات عليه بغزو أو غيره معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة· وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام، فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، وإتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين·
ولقد بيَّن مفتي البلاد سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله حال من خرج على ولي وقول السلف في ذلك، فقال حفظه الله: إن هذه الفئة ارتكبت أموراً عظيمة هي من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية وأيضاً أعدوا العدة وعزموا على أمور أخرى هي من كبائر الذنوب عياذاً بالله من الضلال بعد الهدى وإني إبراء للذمة وخروجاً من العهدة وبياناً للحق ونصيحة لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم لأوضح هنا عدة أمور:
الأمر الأول: إن ما قام به هؤلاء من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة وإعداد العدة والاستعداد البدني والمالي والتسليح هذا كله خروج على ولي الأمر وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فقاتلهم الصحابة رضي الله عنهم وأمروا بقتالهم امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عنهم: “يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة” أخرجه الشيخان·
وفي بعض الروايات يقول صلى الله عليه وسلم: “هم شر الخلق والخليقة”، قال الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: “لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عزَّ وجلَّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ويموهون على المسلمين وقد حذَّرنا الله عزَّ وجلَّ منهم وحذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّرنا منهم الخلفاء الراشدون بعده وحذَّرنا منهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم·
والخوارج هم الشرارة الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين” انتهى كلامه رحمه الله من كتابه – الشريعة- ومنه يتضح خطورة هذا المذهب وتحريم الانتساب إليه، بل وجوب قتال أهله لما يترتب عليه من مفاسد دينية ودنيوية واختلال للأمن وضياع لبلاد الإسلام وإدخال الوهن على المسلمين وتسليط الأعداء عليهم· ومنه يعلم إن من خرج على إمام المسلمين واستحل قتل المسلمين فإنه خارجي وإن صلى وصام وادعى ما ادعى·
ثانياً: من المعلوم في دين الإسلام أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (59) سورة النساء·
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة منها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله عزَّ وجلَّ وعدل كان له بذلك أجر وإن يأمر بغيره كان عليه منه”· وعلى هذا جرى إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سائر المسلمين·
ثالثاً: إن إمامة المسلمين تنعقد بأمور منها أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام فإذا بايعوه صحت إمامته ووجبت على سائر المسلمين طاعته ولزمتهم بيعته· يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: “إن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان” أخرجه الشيخان· هذا وإننا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد السعودية المباركة في ظل ولاية عادلة قد انعقدت لها البيعة وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على هذه البلاد وأهلها ولزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة لإجماع أهل الحل والعقد على إمامته·
رابعاً: إن من الكبائر العظيمة والآثار الجسيمة نقض البيعة ومبايعة آخر مع وجود الإمام وانعقاد البيعة له وهذا خروج عن جماعة المسلمين وهو محرم ومن كبائر الذنوب· يقول أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية” أخرجه مسلم·
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية” أخرجه البخاري ومسلم، انتهى كلامه حفظه الله·
نشر بمجلة الدعوة على الرابط
http://www.aldaawah.com/html/?id=122