مقالات وخطب الدكتور محمد المصري

الزكاة للدكتور محمد المصري



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ,,, أما بعد :

فقد فرض الله بحكمته ورحمته وعدله الزكاة على عباده وجعلها قرينة الصلاة في 32 موضعاً من كتابه منها قوله تعالى : ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ البقرة . وعده نبينا صلى الله عليه وسلم أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام قال صلى الله عليه وسلم : ” بني الإسلام على خمس , شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله , وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان , وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا ” رواه البخاري ومسلم وأجمع المسلمون على وجوبها , واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال ما نعييها .

واتفق الفقهاء على وجوبها على المسلم البالغ العاقل الحر العالم بكون الزكاة فريضة المالك للنصاب فاضلاً عن الحاجات الأساسية من سكن ومطعم وملبس ومركب إذا حال الحول على النصاب (فالنصاب بكسر النون مقدار معين من المال إذا ملكه المسلم وجب عليه إخراج جزء منه ) , وذهب جمهورهم إلى وجوبها في مال الصبي والمجنون , لأنها حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب .

واتفق الفقهاء كذلك على وجوب مبادرة الغني بنقل ملكية الجزء المخصوص إلى مستحقيها فإن أبقاها في يده بدون عذر كان مغتصباً لحق أهلها مستحقاً العقوبتين العاجلة والآجلة أما الآجلة فقد ذكرها الله في قوله سبحانه : ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ التوبة: 34 , ٣٥

وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : ” من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثٍّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ” أي حية سامة ” له زبيبتان أي ” نابان عظيمان ”

يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك ! أنا كنزك ! ثم تلا الآيتين السابقتين .

أما العقوبة العاجلة فقد ذكرها نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله : ” من أدّى زكاة ماله طيبة بها نفسه فقد أجر عليها ومن منعها أخذناها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لمحمد ولا لآل محمد منها شيء ” .

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم” آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده والواشمة والمستوشمة , ومانع الصدقة والمحلل والمحلل له “.

وأخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن : ” مانع الزكاة يوم القيامة في النار ” كما أخبر صلى الله عليه وسلم ” أن من أدى زكاة ماله فقد أذهب الله عنه شره ” .

وكل هذه الأحاديث دعوة للبخيل أن يعود إلى الله ويترك البخل ويؤدي حقوق أهل الزكاة بأن يدفعها لأصحابها وهي عقوبات خاصة بالبخيل إذا لم يتب , وأما العقوبة العامة فهي للمجتمع إذا انتشر البخل ومنعت الزكاة فيه ولم يقم المجتمع بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا الخصوص حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ” .

والزكاة مقدار يسير من مال الله الذي أورثك الله إياه وهي حق متعلق في أموال الأغنياء لأصناف الزكاة الثمانية وإضافة لصفتها التعبدية فهي ذات وظيفة اقتصادية واجتماعية لما لها من تأثير فعال على دخول الأفراد , أو الجهات الذين تصرف لهم الزكاة أو على دخول الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة , فأما تأثيرها فيمن تصرف لهم فيتضح من خلال تغطيتها لجميع أهداف التضامن والتكافل الاجتماعي , فالزكاة خصها الله بثمانية أصناف ذكرهم في الآية 60 من سورة التوبة فقال : ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ فالفقراء هم الذي ليس لهم دخل إطلاقاً والمساكين هم الذين لهم دخل لا

يكفيهم فيعطون قدر كفايتهم سنة كاملة على الأقل وإذا تم إغناؤهم بها

فهو أفضل وهي سبب في تحويل أعداد المجتمع إلى مناصرين ومؤيدين وداعمين له , وسبب في إعادة المظلومين والمأسورين إلى صفوف المجتمع وهي سبب في تفريج هموم فئات من المكروبين الذين ابتلوا بالديون سواء لأنفسهم أو لمصلحة العامة و في هذا تشجيع على الإحسان وإصلاح ذات البين كما أن في الزكاة تفريج لهٍّم ابن السبيل الذين انقطعت بهم السبل وسبب لنشر الدين وفتح الآفاق أمام الأمم لرؤية هذا الدين على حقيقته .

وأهم أهدافها القضاء على الفقر فالزكاة علاج لداء الفقراء باعتباره مرضاً اجتماعياً يتعين على الجميع حكومات وأفراداً بذل الأسباب في القضاء عليه أو تخفيف أثره ومن مقاصد فرض الزكاة بين هذه الفئات إزالة الحقد والحسد من النفوس وخلق الأمن والطمأنينة داخل المجتمع وتقليل الجريمة .

كما أن تكرارها سنوياً يجعلها أداة دائمة لإعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الفئات المستحقة لها .

وللزكاة دور مهم في علاج التقلبات الاقتصادية من ناحيتين :

الأولى : -أن الزكاة تؤدي إلى رفع الطلب على الاستهلاك .

والثانية : – أن إعادة توزيع الدخل عن طريق الزكاة يؤدي إلى رفع الطلب على الاستثمار فللزكاة عند تحصيلها تأثير من شأنه أن يدفع الأغنياء إلى ضرورة استثمار أموالهم حتى لا تأكلها الزكاة .

كما أن الزكاة تقوم بدور مهم في الحث على العمل وتقليل البطالة حيث إن أحد مصارفها مصرف العاملين على جمعها والمراد بهم من تقوم الدولة بتعيينهم لجمع أموال الزكاة فتعطيهم الدولة أجرتهم منها ومن أجل أن تؤدي الزكاة أهدافها فلا بد من نشر أحكامها بين الناس عموماً وفي أوساط الأغنياء خصوصاً ولا بد من نشر الوعي في أوساطهم , وتحذيرهم من الطرق التقليدية في توزيع الزكاة المحدودة الأفق والتي تؤدي إلى تفريق الزكاة وفق مبالغ محدودة لا تكاد تكفي فقيراً واحداً لأيام

محدودة فضلاً عن أن تخرجه وأهله من الفقر إلى الغنى وفق مقصد الزكاة الشرعية

حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : ” رجل تحمل

حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك , ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصب قواماً من عيش أو سداد من عيش , ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ” .

ففي هذا الحديث توجيه لأصحاب الأموال للقيام بواجبهم تجاه الفقراء والمساكين والغارمين بسد حاجتهم وتحويلهم من مستفيدين من أموال الزكاة إلى منتجين وباذلين لها وبالتالي تتحول الزكاة من مجرد شعيرة إلى أداة اقتصادية تنشر السعادة في مجتمع المسلمين كما أن في الحديث تحذير لغير المستحقين للزكاة ممن لم يذكرهم الله تعالى في سورة التوبة أو في هذا الحديث أن يسألوا الناس أموال الزكاة فإن فعلوا فقد أخذوا ما لا حق لهم فيه وإنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب وعلى الجميع تقوى الله عز وجل والاستغناء به سبحانه عمَّا في أيدي الناس وأن يتعاونوا على سد حاجة المحتاجين وأن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فإن الفوز والنجاة في غنى النفس فليس الغنى بكثرة المال وإنما الغنى غنى النفس نسأل الله العلي القدير أن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يغنينا بفضله عمن سواه وصلى الله على نبينا محمد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى