إمامة الصلاة للدكتور محمد المصري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإمامة الصلاة هي :-ارتباط صلاة المصلي بمصل آخر بشروط بينها الشارع الحكيم ، وتُعتبر الإمامة من خير الأعمال التي يجب أن يتولاها خير الناس ذوو الصفات الفاضلة من العلم والقراءة والعدالة، ولا تُتصور صلاة الجماعة التي هي من شعائر الإسلام إلا بها ، والإمامة أفضل من الأذان و الإقامة ، لمواظبة النبي  والخلفاء الراشدين عليها .
وقد أمر النبي  أن يتم اختيار الإمام من بين أكثر الناس قرآنا وأفضلهم حيث قال ” إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم أقرؤهم ” وقال  :”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الهم ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً “.
واتفق الفقهاء على أن بناء أمر الإمامة على الفضيلة والكمال وأن من استجمع خصال العلم وقراءة القرآن وغيرها من الفضائل كان أولى بالإمامة ، ولا خلاف في تقديم الأعلم والأقرأ على سائر الناس ، وجمهور الفقهاء على تقديم الأعلم بأحكام الفقه على الأقرأ لقول النبي  :”مروا أبابكر فليصل بالناس وكان بين الصحابة رضي الله عنهم من هو أقرأ منه بدليل قول النبي  (أقرؤكم أُبي ) وهذا آخر الأمرين من رسول الله فيكون المعوَّل عليه ؛ ولأن الحاجة إلى الفقه أهم منها إلى القراءة ، وعلى كل حال فإن بناء أمر الإمامة على الفضيلة والكمال هو الأصل لكن إن تقدم المفضول على الفاضل جاز باتفاق ، لكن يكره تقديم معلن المعصية والبدعة إذا وجد في المجتمع غيرهما ، وإلا فلا كراهة اتفاقاً ، ومهمة وزارة الشؤون الإسلامية في اختيار الأئمة شاقة وتحتاج إلى بذل مزيد من الجهود في سبيل البحث عن الأفضل ، وبدلاً من انتظار مجيء الأئمة إليهم ليرشحوا أنفسهم ثم يتم عرضهم على اللجان المتخصصة لقبولهم يجب أن تكون الوزارة مبادرة إلى البحث عن الأفضل من خلال التواصل مع الجامعات والكليات الشرعية المتخصصة وحلقات التحفيظ ليتم ترشيح الأعلم والأقرأ ، فإن لم يتيسر في بعض المناطق فلابد أن تندب لها وبالتنسيق مع وزارة التعليم من يسد هذه الثغرة المهمة التي دخل عليها غير المؤهل لها ، وربما استغلها أصحاب النوايا السيئة ؛وإن مهمة وزارة الشؤون الإسلامية لا يجوز أن تقتصر على متابعة شكاوى الجماعة ولا على كتابة التقارير بل يجب أن ترتفع بمهمتها إلى توفير الأفضل واستبدال غير
المؤهل ، وتطوير المؤهل والحرص على أهل العلم والفضل . وأما الأئمة فمهمتهم عظيمة تتعلق بعمود الإسلام ولذا فيجب عليهم أن يراعوا فقه الإمامة بمراجعة نياتهم وأن يجعلوا عملهم خالصا لله لا بهدف المال ولا السكن ، ولا الشهرة ولا غير ذلك مما قد يبطل عملهم أو يقلل على الأقل أجرهم قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(16)} سورة هود وقال النبي : ” بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له في الآخرة من نصيب” ، وعلى المبتدئين منهم الاطلاع على أحكام الصلاة عموما والإمامة خصوصاً والاستزادة منها وسؤال أهل العلم والفتوى عما يشكل عليهم .
كما أن عليهم تحري السنة في الصلاة والإمامة بالتوسط في أفعال الصلاة بعيدا عن التطويل الممل وعن التقصير المخل وأن يراعوا أحوال المأمومين بحيث يمكنهم من فعل أدنى الكمال في صلاتهم كما قال أنس رضي الله عنه : ” ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
كما أن عليه أن يحرص على إقامة صفوف المصلين وتسويتها بالقول وبالفعل إذا لم يفد القول كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : ” أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ” .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى رآنا أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقال حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال :” عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم أي بين قلوبكم ” ولذلك يجب على الأئمة مراعاة هذا طمعاً في جمع قلوب المأمومين وحذراً من تفرقها .
وعلى الإمام الحرص على المواظبة ، وعدم التخلف عنها إلا بعذر صحيح وعليه أن يتقي الله فيمن يخلفه بحيث يكون أهلاً للإمامة وعلى وزارة الشؤون الإسلامية مراعاة أن يكون الإمام والمؤذن كلاهما أهل لمهمة الإمامة حتى ينيب أحدهما الآخر في مهمته وبالتالي تقل السلبيات الناتجة عن عدم وجود نائب للإمام أو للمؤذن في كثير من المساجد .
وإذا كان الإمام مؤهلاً علمياً فعليه أن يقوم بواجبه في نشر العلم خصوصاً الضروري منه للناس من توحيد الله عز وجل وفرائض الصلاة والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحذيرهم من البدع والمحدثات ، وتحذيرهم من المعاصي الظاهرة التي هي سبب كل بلاء ، وتحبيبهم إلى العلماء وإلى ولاة الأمور ومن المفيد التنسيق مع العلماء والدعاة لإقامة الدروس العلمية والمحاضرات المفيدة ، واللقاءات التربوية والبرامج التدريبية النافعة لأهل حيه .
وبالتنسيق مع المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية يجب على الإمام الحرص على إنشاء حلقات التحفيظ والدور النسائية وإنشاء مكتبات عامة خصوصاً في الجوامع الكبيرة مع الحرص على تأهيل أمنائها والحذر من سوء استخدامها .
كما أني أقترح على وزارة الشؤون الإسلامية أن تكلف إماماً في كل حي لكي يكون منسقاً مع بقية الأئمة في حيه ويكون مسؤولاً أمامها كما أنني أقترح أن تستفيد وزارات الداخلية والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية من الأئمة ومن خلال إقامة لقاءات مشتركة ومستمرة مع أئمة وخطباء الأحياء لدراسة الظواهر الإيجابية ووسائل تنميتها ودراسة الظواهر السلبية ووسائل إزالتها أو التقليل منها وعلى كل حال فإن منصب إمامة المسجد منصب يمكن الإفادة منه لرقي المجتمع والحفاظ على أخلاقياته وأمنه لكن هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق تام بين كافة قطاعات الدولة والله أسأل أن يكون ذلك قريباً فالمسألة مهمة والطريق يحتاج إلى إزالة العوائق وصلى الله وسلم على نبينا محمد .