نكاح المحلل التيس المستعار

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
من الأنكحة المحرمة التي يبطل الشرط والعقد فيها عند جمهور أهل العلم ولايصح لأنه نكاح محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل الله ييسر الكتابة في حلقات عن الأنكحة المعاصرة المحرم والحلال منها سائلا الله أن ينفعني والقراء بما نقرأ ونكتب وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم .
ذكر الشوكاني في نيل الأوطار هذا الباب ونقل كلام أهل العلم في هذه المسألة وسنكمل بقية تفصيل هذا النوع من النكاح
قال الشوكاني رحمه الله :
باب نكاح المحلل
1 – عن ابن مسعود قال (لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم المحلل والمحلل له).
رواه احمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة الا النسائي من حديث علي مثله.
2 – وعن عقبة بن عامر قال (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم الا اخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول اللّه قال هو المحلل لعن اللّه المحلل والمحلل له).
رواه ابن ماجه.
حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق اخرى اخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثة اخرجها اسحاق في مسنده. وحديث علي صححه ابن السكن واعله الترمذي فقال روي عن مجالد عن الشعبي عن جابر وهو وهم انتهى. وفي اسناده مجالد وفيه ضعف. وحديث عقبة ابن عامر اخرجه ايضا الحاكم واعله ابو زرعة وابو حاتم بالارسال. وحكى الترمذي عن البخاري انه استنكره. وقال ابو حاتم ذكرته ليحيى بن بكير فانكره انكارا شديدا وسياق اسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال حدثنا ابي قال سمعت الليث بن سعد يقول قال لي مشرح بن عاهان قال عقبة بن عامر فذكره. ويحيى بن عثمان ضعيف. ومشرح قد وثقه ابن معين.
ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند ابن ماجه وفي اسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف وعن ابي هريرة عند احمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن ابي حاتم في العلل والترمذي في العلل وحسنه البخاري والاحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل لا اللعن انما يكون على ذنب كبير. قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح اذا شرط الزوج انه اذا نكحها بانت منه او شرط انه يطلقها او نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا شك ان اطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها لكن روى الحاكم والطبراني في الاوسط عن عمر انه جاء اليه رجل فساله عن رجل طلق امراته ثلاثا فتزوجها اخ له عن غير مؤامرة ليحلها لاخيه هل تحل للاول الا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم. قال وقال ابن حزم ليس الحديث على عموم في كل محلل اذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج فصح انه اراد به بعض المحللين وهو من احل حراما لغيره بلا حجة فتعين ان يكون ذلك في من شرط ذلك لانهم لم يختلفوا في ان الزوج اذا لم ينو تحليلها للاول ونوت هي انها لا تدخل في اللعن فدل على ان المعتبر الشرط انتهى. ومن المجوزين للتحليل بلا شرط ابو ثور وبعض الحنفية والمؤيد باللّه والهادوية وحملوا احاديث التحريم على ما اذا وقع الشرط انه نكاح تحليل. قالوا وقد روى عبد الرزاق ان امراة ارسلت الى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فامره عمر بن الخطاب ان يقيم معها ولا يطلقها واوعده ان يعاقبه ان طلقها فصحح نكاحه ولم يامره باستئنافه. وروى عبد الرزاق ايضا عن عروة بن الزبير انه كان لا يرى باسا بالتحليل اذا لم يعلم احد الزوجين. قال ابن حزم وهو قول سالم بن عبد اللّه والقاسم بن محمد قال ابن القيم في اعلام الموقعين وصح عن عطاء فيمن نكح امراة محللا ثم رغب فيها فامسكها قال لاباس بذلك. قال الشعبي لا باس بالتحليل اذا لم يامر به الزوج. وقال الليث عن سعد ان تزوجها ثم فارقها فترجع الى زوجها وقال الشافعي وابو ثور المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها فاما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد او لم يشرط نوى ذلك او لم ينوه. قال ابو ثور وهو ماجور. وروى بشر بن الوليد عن ابي يوسف عن ابي حنيفة مثل هذا سواء. وروى ايضا عن محمد وابي يوسف عن ابي حنيفة انه اذا نوى الثاني والمراة التحليل للاول لم تحل له بذلك. وروى الحسن بن زياد عن زفر وابي حنيفة انه ان شرط عليه في نفس العقد انه انما تزوجها ليحلها للاول فانه نكاح صحيح ويبطل الشرط وله ان يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن ابي حنيفة قالوا وقد قال اللّه تعالى {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وهذا زوج قد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها الى زوجها الاول فيدخل في حديث ابن عباس (ان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم قال لا الانكاح رغبة) وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما امر اللّه تعالى بقوله {حتى تنكح زوجا غيره} والنبي صلى اللّه عليه واله وسلم انما شرط في عودها الى الاول مجرد ذوق العسيلة بينهما فالعسيلة حلت له بالنص.
واما لعنه صلى اللّه عليه واله وسلم للمحلل فلا ريب انه لم يرد كل محلل ومحلل له فان الولي محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع امته محلل للمشتري وطاها فان قلنا العام اذا خصص صار مجملا فلا احتجاج بالحديث وان قلنا هو حجة فيما عدا التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص اهو الذي نوى التحليل او شرطه قبل العقد او شرطه في صلب العقد او الذي احل ما حرمه اللّه تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فانه محلل ولو لم يشترط التحليل او لم ينوه فان الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا انه لم يدخل في النص فعلم ان النص انما اراد به من احل الحرام بفعله او عقده وكل مسلم لا يشك في انه اهل للعنة واما من قصد الاحسان الى اخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث اولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن ان يلحقهم لعنة رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ولا يخفاك ان هذا كله بمعزل عن الجواب بل هو من المجادلة بالباطل البحث ودفعه لا يخفى على عارف
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين