الاستقامة للدكتور محمد المصري

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير نبينا محمد  الذي كان لا يفتر أن يدعو ربه ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ) وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد .
فإن الاستقامة على دين الله نعمة عظيمة أمر الله بها نبيه بقوله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود112
وأمر بها عباده عموما فقال : { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }فصلت6 وأمر بها نبيه  من سأله دخول الجنة فقال له : ” قل آمنت بالله ثم استقم ” إلا إنك تلاحظ على بعض من يسلك طريق الاستقامة انحرافاً عنها أو تراجعاً عن سبيلها وهو ما حذَّر عنه ربنا في كتابه حيث قال : {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ }محمد25
وأخبر سبحانه أنه غني عمن يفعل ذلك فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54
ولعلنا نتساءل ما مظاهر هذا التراجع وما أسبابه وما علاجه . أما مظاهره فهي في اتجاهين . الأول : – الانحراف نحو الشبهات فتجد الرجل أو المرأة يقصر في أداء الواجب أو يتهاون بشان المعصية بدون أن يحس بذلك , بل ربما أثنى على نفسه وزكاها , فبعد أن كان حريصا على أداء الطاعات وحذر من ارتكاب المنهيات إذا به على العكس من ذلك .
والثاني : – الانحراف باتجاه الشبهات وذلك أما في سبيل الغلو والإفراط , أو في سبيل التفريط , فبعد أن يتبع طريق الوسطية تجده يسلك طريق الدعوة إلى ما يوافق هواه إما إلى التشدُّد وإما إلى التساهل بعيداً عن نصوص الوحيين الذين فيهما النجاة وهذا مصداق قول النبي  : ” إن لكل شيء شرة , ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى , ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ”
وأما أسباب الحور بعد الكور فتختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر , ولكن مجموعها تعود إلى أمور منها :
1- الجهل بطبيعة النفس البشرية وميلها إلى موافقة هواها وكيف أمر الله تعالى بضبطها وتزكيتها بالشرع فإن الجهل بهذا يجعل المستقيم ينحرف باتجاه الإفراط والغلو أو اتجاه التفريط حسب هوى نفسه وطبيعتها .
2- الجهل بأساليب الشيطان حيث إنه يبدأ مع ابن ادم خطوة خطوة حتى يهلكه . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }النور21
3- تكليف النفس فوق ما تطيق مما يصيبها بالملل وهذا مصداق فول نبينا  : ” إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق , فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى ” وقال : ” يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون , فإن الله لا يمل حتى تملُّوا وإنَّ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وان قل ” رواه البخاري ومسلم .
4- الانجراف خلف كل ناعق ووراء كل شبهة فتجد بعض الناس لا يتأمل ما يتلقى, والكلمة سلاح إما أن تكون للبناء وهي التي تدعوا المسلم إلى الحرص على ما ينفعه في أمور دينه ودنياه , وإما أن تكون للهدم وهي التي تدعو إلى ما يخالف شرع ربه إفراطاً أو تفريطا ً .
5- الاعتماد على العمل , والاغترار به والإعجاب بالنفس أو بالعمل دون ثناء على النعم وذلك موجب أن يوكل إليه ويؤدي إلى انتكاسه .
6- اتباع الهوى . فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه .
7- التعلق بالدنيا ولذاتها ورغدها وجعلها في المقدمة وهذه الثلاث التي قال عنها النبي  : ” ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه” .
8- ضعف شخصية المنحرف تجاه أصدقائه ومعارفه ومحاولة مسايرتهم .
9- عدم الصبر على مقتضيات الاستقامة فإن الاستقامة غالية وتحتاج إلى صبر ومصابرة . {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2
10- الوحدة والانعزال عن المجتمع .الصالح بحجة وجود أخطاء فيه ( وان الذئب يأكل من الغنم القاصية )
11- قلة المحاضن التربوية أو انعدامها في بعض المناطق .
أما العلاج فوقائي ودوائي
فأما الوقائي : فمرده إلى البعد عن أسباب الانتكاسة المذكورة آنفاً .
وأما الدوائي: فهناك أنواع من الأدوية منها :
1- المبادرة إلى علاج المرض قبل انتشاره وذلك بمداومة التوبة والاستغفار فإن الله يقول: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}البقرة222
2- محاسبة النفس محاسبة الشريك الخوان وليعلم ” أن الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ” وعليه أن يعلم أن الهداية من الله فيطلبها منه وهو فعل عباد الله العقلاء الذين يقولون : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8
وكان أكثر دعاء النبي ” يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ”
3- كثرة تلاوة كتاب الله وتدبر آياته ,وقراءة كتب الرقائق .
4- تأمل سيرة النبي وسيرة أصحابه – رضي الله عنهم – الذين اهتدوا وثبتوا على دين الله .
5- الاطلاع على سير المنتكسين للحذر من أسباب انتكاستهم والإفادة منها مع التنبه إلى خطورة الاستهزاء أو السخرية بهؤلاء فان ذلك مدعاة إلى أن يوكِّل المرء إلى نفسه ثم ربما ابتلاه الله بما وقعوا فيه .
6- البحث عن المحاضن التربوية التي تعين المرء على الثبات كحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومجالس العلماء والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الهادفة , .
7- طلب النصيحة من العلماء والدعاة والتبرؤ من الحول والقوة والاعتماد على الله سبحانه وحده .
8- ومما يعين على الثبات كثرة الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى والالتجاء إليه .
9- التفاؤل وحسن الظن بالله بعد فعل الأسباب .
10- قصر الأمل وتذكر الآخرة وهذا من أعظم الموقظات للعودة إلى الاستقامة .ونسال الله الهداية والثبات عليها . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .