التجسس للدكتور محمد المصري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فما أن أعلن معالي الشيخ / عبد العزيز الحمين الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن عزم الهيئة وضع كاميرات مراقبة في جميع الأسواق والمجمعات التجارية في الملكة العربية السعودية وذلك لمعالجة الأخطاء التي تقع من قبل الشباب قبل وقوعها إلا وثارت عاصفة من التعليقات ضد هذا القرار بحجة أن هذا التصرف خرق للخصوصية وتعد على الحياة العامة ، ومخالفة لأوامر الشرع الذي ينهى عن التجسس وسوء الظن .
وبالنظر في المعنى الشرعي للتجسس المنهي عنه في قول الله تعالى وقول النبي ” لا تجسسوا ولا تحسسوا ” فإن أقوال الفقهاء تدور حول تتبع عورات الناس وطلب معايبهم ومساوئهم عن طريق التصنت والمراقبة لهم دون شعورهم وهذا المعنى مأخوذ من قول النبي  ” يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته ” .
فقد أوضح الحديث أن معنى التجسس هو متابعة عورات الناس وتتبع عثراتهم والحرص على أخطائهم دون أن يشعروا بهدف الإيقاع بهم .
ولا فرق في النهي عن التجسس بهذا المعنى بين الفرد وبين المحتسب لقول النبي  ” إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ” وهكذا فهم أصحاب النبي  فهذا ابن مسعود يقول “إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به” .
واستثنى الفقهاء من ذلك ما إذا كان في ترك التجسس انتهاك لحرمة يفوت استدراكها أما ما كان دون ذلك فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه .
وبتنزيل هذا على الكاميرات المذكورة ونحوها التي أمر ولي الأمر بوضعها في أما كن عامة لمتابعة ورصد المخالفات التي قد تقع من البعض سواء كانت شرعية أو نظامية فإنه لا ينطبق عليها معنى التجسس لا من حيث موضوعها ولا من حيث غايتها والهدف منها ، فأماكن الكاميرات معلومة ولا تستهدف فردا ً ولا فئة معينة وغايتها استخدام التقنية الحديثة في الحفاظ على أمن المجتمع وأخلاقياته ، وليس فيها تتبع لعورات ولا تدخل في خصوصيات إذ المكان عام ليس فيه خصوصية وقد قال الله تعالى بعد أن ساق آيات تأمر بالاستئذان فبعد أن نهى عن دخول بيوت الغير إلا بإذن يزرع الأنس في قلوب أصحابها أخبر أن الأماكن العامة لا تتضمن هذا القيد .
ومع هذا فإن على أفراد الهيئة التعامل مع معطيات هذه الكاميرات بما تقتضيه الأدلة الشرعية للنهي عن المنكر وهو منع إيقاع المنكر والتحذير منه مع مراعاة ما عرف عنهم من الستر على المخطئ لا سيما حينما يقع منه لأول مرة ، كما أن وضع لوحة إن المكان أو السوق مراقب بالكاميرات يقلل من احتمال وقوع المخالفات والأخطاء وكذلك التنسيق مع الباعة ومسؤولي السوق ورجال الأمن فيه كل ذلك يجعل المكان أكثر أمناً وطمأنينة وهو الهدف الذي من أجله شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألا وهو شيوع المعروف وعدم وقوع المنكر أو التقليل منه والله ولي التوفيق .