فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم & للشيخ سعد السبر

الحمد لله أوجدنا من عدم و أسبغ علينا النعم ودفع عنا النقم ِأحمده وأشكره على سابغ عطائه وجزيل نعمائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، تقدس عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير وعن الشريك ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله لنا وللأولين من قبلنا ( ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) ()
أيها المؤمنون إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخوف الناس وأتقاهم ,أعلمهم بربه ، فكان يخاف من الله ويخاف من نذره ويخاف من عقابه وسطوته ويُكثر من استغفاره وتوبته
عن أَنَسَ قال : كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ ، ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال المهلب : كان ( صلى الله عليه وسلم ) ، يخشى أن تصيبهم عقوبة ذنوب العامة كما أصاب الذين قالوا : ( هذا عارض ممطرنا ) () . قال ابن بطال وفيه : تذكر ما نسى الناس من عذاب الله للأمم الخالية ، والتحذير من طريقهم فى العصيان خشية نزول ما حلّ بهم ، قال الله تعالى : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون ( إلى ) الخاسرون ) () ()
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}() قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَارِضٌ السَّحَابُ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّم”
قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالَ: ” يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا”() . قال في عمدة القاري : فيه الاستعداد بالمراقبة لله عز وجل والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه والله أعلم بحقيقة الحال ()
وعن ابن عباس قال كان رسول الله إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثى على ركبتيه وقال اللهم إني أسألك من خير هذه وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ()
وعن عائشة أنها قالت كان النبي إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به قالت فإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال لعله يا عائشة كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا () . هذا خوف النبي صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح وقرب نزول المطر فكيف حالنا أمن مع إغراق في المعاصي وإسراف في الذنوب
أيها المؤمنون تحل الأمطار ويحل معها الخير وقد يحل معها المصائب فماهو واجبنا إذا حلت المصائب هل نرتبط بالماديات ونترك اللجوء إلى الجبار جل جلاله فمصاب أهلنا في جدة عظيم وخبطهم جلل ولكن رسالتي لهم بأن يلجأووا إلى الله وحده و يفعلوا الأسباب ولكنهم يجب أن يتوجهوا لمسبب الأسباب يستغفروا يُكثروا من الدعاء الدعاء الدعاء
عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس ستا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك سألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول فقال ما أدري () . قال ابن بطال في شرح البخاري فيه : بركة دعوة النبى ، ( صلى الله عليه وسلم ) () . قال النووي رحمه الله :وفي هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء () ، وفَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَكَرُّر الدُّعَاء ثَلَاثًا ()
قال العيني :فيه معجزة ظاهرة للنبي في إجابة دعائه متصلا به في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل دفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه في بطون الأودية ونحوها وفيه استحباب طلب انقطاع المطر عن المنازل إذا كثر وتضرروا به وفيه رفع اليدين في الخطبة ()
إخوة الدين الزموا الاستغفار توبوا إلى الغفار قال بعض السلف : كان لنا أمانان من العذاب : النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ذهب الأمان الواحد وبقي الآخر () . ابن عباس: كانوا يقولون في الطواف: غفرانك.
والاستغفار وإن وقع من الفجار يدفع به ضرب من الشرور والإضرار
——————————————————————————–
() سورة الناس، آية: 131
() سورة
() سورة
()شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال – (3 / 24-25) باب إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ
() سورة
()فتح الباري- تعليق ابن باز – (8 / 578) {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا…}
()عمدة القاري شرح صحيح البخاري – (10 / 478)
() رواه الطبراني
() رواه مسلم
()صحيح البخاري ت – (2 / 429) صحيح مسلم – (3 / 24) .2115 باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة
()شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال – (3 / 23)
()شرح النووي على مسلم – (6 / 193)
()شرح النووي على مسلم – (3 / 301)
()عمدة القاري شرح صحيح البخاري – (10 / 176)
() تفسير البحر المديد (3 / 37)