خطب الشيخ سعد السبر

التفحيط وناسه – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الحمد لله حرّم الأذى وأمر بحُسن الخلق وعظّم حقَ المسلمين والجيران أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير الورى وأفضل الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثير إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي خير لباس يقي من البأس ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )(1)

أيها الناس في صورة عجيبة وقصة غريبة يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي فقال إن لي جارا يؤذيني فقال له (أخرج متاعك فضعه على الطريق فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق فكل من مر به قال مالك قال جاري يؤذيني فيقول اللهم العنه اللهم أخزه قال فقال الرجل ارجع إلى منزلك والله لا أوذيك أبدا) (2)

 وقال عنه ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد آخر صحيح على شرط مسلم ).

هذا رجلٌ يشتكي ظلم جاره وسوء مجاورته فأمره النبي يُخرج متاعه في قارعةِ الطريق ليراه الناس ويعرفوا ظلم جارِه له , ثم يدعون عليه حتى خاف الرجل وطلبه يُرجع متاعه ولا يؤذيه ونحن نتكلم اليوم ليس عن حق الجوار وليس لسوء جوار لأننا نعيش في حينٍ و بلادٍ أهلهما أهل جوار وإيمان لكن المشكلة التي ابتلينا به من نفر قليل تسلطوا علينا وآذونا وأشغلونا وأخافونا حتى أصبح خروج الواحد في خطر يظن أن أبنائه وبناته لن يرجعوا بسبب ثلة ٍ في حينا من أبنائنا وللأٍسف !!! أقولها بحسرة وألم بل وهم يصلي بعضهم معنا الآن الآن الآن وهم يشغلون وظائف لخدمة البلاد وأهلها فإذا بهم يُدمرون بلادهم وأهلها ويُخيفون جيرانهم هم ثلةٌ عاهدت الشيطان أن تؤذي المسلمين في هذا الحي خاصة وفي سائر البلاد عامة في ليلهم وفي ساعة النزول الإلهي آخر الليل وفي وقت خروج الطلاب والطالبات من مدارسهم وخروجهم مساء من حلقات التحفيظ ودار القرآن النسائية يبدؤون الأذية بإرهابهم المعلن الصريح الذي لا خفاء فيه ولا استخفاء يجتمعون جنوب هذا الجامع وشرقه وغربه وشماله ليخيفوا جميع الجيران وهم نسوا وتناسوا عين الله التي لا تنام ونسوا دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب ونسوا وتناسوا أنّ مع من يظلمونهم من الجيران سلاحًا بتّارًا، يصيب ولا يُخطي ونسوا أنّ الأذيّة ظلمٌ والإضرار بالمؤمنين بغيٌ، ولقد قال ((واتّق دعوةَ المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب))(3)

أيها الأحبة أتدرون من هم هؤلاء الذين نسوا الله ونسوا نصرته لدعوة من ظلموه إنهم أهل الإرهاب المعلن إنهم المفحطون نعم المحطون إنهم يظلمون ولا يخافون ويقتلون ولا يبالون كم من بيت هدموه ؟؟ وكم من سيارة دمروها ؟؟ وكم من أسرة شتتوها وأخافوها ؟؟؟ وكم من طفلة يتموها وطفل شردوه إنهم المفحطون الذين لا يرعون إنهم بيننا ومنا ولن ينصر المسلمين منهم إلا دعوةٌ بليل سهام الليل لا تُخطى سهام الليل تقتلُ وتُصيب . دعا رجلٌ مِن السلف على امرأة أضرّته وأفسدَت عليه عِشرةَ امرأة له، فذهب بصرها في الحال، وكذَب رجلٌ على مطرّف بن عبد الله رحمه الله فقال له: “إن كنتَ كاذبًا فعجّلَ الله حتفَك”، فمات الرّجل مكانَه، وكان رجلٌ من الخوارج يغشَى مجلسَ الحسن البصري فيؤذيهم، فلمّا زاد في ذلك، قال الحسن: “اللهمّ قد علمتَ أذاه لنا فاكفِناه بما شئتَ”، فخرّ الرجل من قامتِه، فما حُمِل إلى أهله إلا ميتًا على سريره. وقال الأحنف بن قيس، رحمه الله: “من أسرع إلى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون”. ويقول الفضيل رحمه الله: “لا يحلّ لك أن تؤذيَ كلبًا أو خنزيرًا بغير حقّ، فكيف بمن هو أكرم مخلوق؟!”(4)

وعن قتادة: “إيّاكم وأذى المؤمن، فإنّ الله يحوطه ويغضب له”

أيّها المفحط، كُفَّ عن أذى المسلمين قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، فعن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إنّ المفلسَ من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وقيام وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مالَ هذا وسفك دمَ هذا أو ضربَ هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فنِيت حسناته قبل أن يَقضيَ ما عليه أخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه فطُرح في النّار)) رواه مسلم ,ونظر ابنُ عمر رضي الله عنهما يومًا إلى البيتِ فقال: (ما أعظمَك وأعظمَ حرمتَك، والمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك) أخرجه الترمذي في البر وقال: “هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد”، وصححه ابن حبان ، وهو في صحيح الترغيب.

إخوةَ الإسلام، ديننا دعا لفعل الخير وكف الأذى عن المسلمين ووعد بالأجر العظيم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ((مرّ رجلٌ بغُصن شجرةٍ على ظهرِ طريقٍ فقال: والله، لأنحِّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِل الجنّة))(5)

يقول أحد السّلف معبِّرًا عن منهاج النبوّة: “اجعَل كبيرَ المسلمين عندك أبًا، وصغيرَهم ابنًا، وأوسطَهم أخًا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه”، ويقول آخر: “ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه”.

فليحذر الشباب من هذه الظاهرة وليحكموا عقولهم، ولا يضعوها تحت عجلات سياراتهم،فإن رغبوا في قتلت أنفسهم فلا يُقتلوا المسلمين وليحذروا :

اولاً: من قتل أنفسهم لأن من تسبب في قتل نفسه فهو على خطر عظيم، حيث نهى الله عز وجل عن قتلالإنسان لنفسه فقال تبارك وتعالى ) ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما( وقد بينلنا نبينا عاقبة من قتل نفسه وهي النار وبئس القرار، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله (من تردى أي أسقط نفسه من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها ابداً  ومن تحسى سما أي شربه فقتل نفسه فسمه فييده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته فييده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً)

ثانيا: في التفحيط إيذاء للمسلمين، إيذاء لهم في طرقاتهم وفي منافعهم العامة، بل حتى في بيوتهم وأذيةالمسلم من الأمور المحرمة شرعا فقد حرم الله كل شيء من شأنه أذية المسلم فحرمالغيبة وحرم النميمة وحرم التجسس وحرم سوء الظن بل حتى الهمز واللمز حرمهما اللهلان فيهما أذية للمسلم وفي التفحيط أذية وإزعاج وترويع.

ثالثا: في التفحيط مخالفة صريحة لما يصدره ولي الأمر من تعليمات ومخالفة ولاة الأمر معصيةعظيمة

رابعاً: في التفحيط كفر بالنعمة، فالسيارة من النعم التي ينعم الله عز وجل بها على الإنسان، فان في ذلككفراً لهذه النعمة يقول الحسن البصري رحمه الله «إن الله ليمتع النعمة ماشاء،فإذا لم يُشكر عليه قلبها عذابا»

____________________________

(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .

(2)المستدرك على الصحيحين ج4ص183ح7302

(3)أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2448)، ومسلم في كتاب الإيمان (19)

(4)انظر: تهذيب الكمال (23/291)، وسير أعلام النبلاء (8/427).

(5)أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب (2472)، ومسلم في كتاب البر (1914)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى