طاعون العصر ( مرض الايدز )&& للدكتور فارس العنزي

طاعون العصر ( مرض الايدز )
د. فارس قليل العنزي
المقدمة
في نهاية القرن الماضي بدأ ظهور وباء فقدان المناعة المكتسبة أو مايسمى بالإيدز وقد بدأ العلماء بالتعرف على هذا المرض في الولايات المتحدة الأمريكية سنة1981م من خلال عدة حالات من مرض الإلتهاب الرئوي لدى شباب أصحاء كانوا يمارسون اللواط ففي شهر يونيو 1981 أرسل تقريرا إلى مركز السيطرة على الأمراض وهو المسؤول عن تسجيل انتشــار أي نوع مــن الأمراض في الولايات المتحدة والتصدي لهـا. وقـد ورد فـي هــذا التقرير أنه من خلال الثمانية شهور الســابقة أصيب خمســة أشــخاص بحالة نادرة من الالتهاب الرئوي الحوصلي الكاريني، يســببها نوع مـن الطفيليات البدائية والتي تســمى (نيوموسيستس كاريني (Pneunocystits Carinii) والذي لا يصيب الا الأشخاص الذين يعانون من خلل في أجهزتهم المناعية، إما نتيجة لإصابتهم بالسرطان أو نتيجة تعاطيهم أدوية مثبطة للجهاز المناعي. وكان هذا التقرير لافتاً للنظر لأن هذه الحالات وقتها نادرة الحدوث في الأشخاص العاديين. وعند دراسة الحالات الخمس بصورة تفصيلية أكثر تبين أنهم يشتركون في بعض الامور، فهم جميعاً شباب من الذكور الشواذ جنسياً، وانتشار نوع غريب من السرطان الذي يصيب الجلد والأغشية المخاطية ويسمى سرطان كابوسي (Caposi Sarcoma) ولوحظ تضخم الغدد اللمفاوية في شتى الجسم بدون سبب واضح. ولم يمر شهر حتى تدفق دفعة واحدة 26 حادثة جميعهم شباب وهم شواذ جنسياً وهكذا بدأ المرض بالانتشار حتى جاء الدليل على أن الإيدز يمكن أن ينتقل بوسائل أخرى وبين فئات أخرى غير الشواذ جنسياً وذلك عن طريق نقل الدم أو إبر حقن المخدرات وقد سارع هذا في انتشاره بصورة أكبر. بعد ذلك تم إكتشاف الفيروس المسبب للأيدز في بداية الثمانينات (1984م) وأطلق عليه إسم فيروس نقص المناعة او باللغة الانجليزية Human Immundeficency Virus واختصارا HIV. الفيروس المسبب للأيدز تطور منذ ذلك الحين ليصبح أحد أهم الفيروسات المسببة للأمراض الوبائية في العالم، ومن غير المؤكد لدى العلماء إلى الآن متى وأين وكيف تم إنتقال هذا الفيروس إلى الإنسان.
إن مصطلح الأيدز يطلق على المراحل الأكثر تقدماً من مراحل الإصابة بعدوى (إتش آي في) . لقد طور مركز مكافحة الأمراض (سي دي سي)، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا بأمريكا الى معايير رسميةَ لتعريف الأيدز “حسب نشرة المركز (سي دي سي)في العام 1993م”. إن تعريف الأيدز حسب مركز مكافحة الأمراضِ “يتضمن جميع أولئك الناس المصابين بفيروس (إتش آي في) والذين لديهم عدد أقل من 200 خلية من الخلايا اللمفاوية من النوع تي وتحديداً سي دي4+ لكل ملليمتر مكعب من الدم (البالغون الأصحاء لديهم عادة 1,000 خلية من الخلايا اللمفاوية من النوع تي وتحديداً سي دي4+ لكل ملليمتر مكعب من الدم)”. وبالإضافة إلى ذلك يشمل التعريف تلك الحالات السريريةَ التي تؤثر على الأشخاص في المراحل المتقدمة من الإصابة بفيروس (إتش آي في) .وأغلب هذه الحالات هي إصابات انتهازيةَ لا تؤثر عادة على الأصحاء. وعلى العكس من ذلك تكون هذه الإصابات حادة في أغلب الأحيان وقاتلة أحياناً في مرضى الأيدز لأن نظام المناعة لديهم قد تم تدميره من قبل فيروس (إتش آي في) لذا فإن الجسم لا يستطيع صد بعض أنواع البكتيريا و الفيروسات والفطريات و الطفيليات والجراثيم الأخرى. إن مرضى الأيدز أيضاً أكثر عرضة لأمراضِ السرطان المختلفة و خصوصاً تلك التي سببها الفيروسات، مثل ورم كابوسي اللحمي وسرطان عنق الرحم، أَو أورام الغدد اللمفاوية. إن أمراضِ السرطان هذه عادة تكون أكثر عدوانية وأكثر صعوبةً من ناحية العلاج لدى مرضى الأيدز.
طرق إنتقال الفيروس
من خلال المعلومات الواردة من منظمة الصحة العالمية حول مرض الأيدز فهنالك مايزيد على 40 مليون شخص مصاب بالفيروس على مستوى العالم من بينهم مايقارب ال 3 مليون شخص لاتتجاوز أعمارهم 15 سنة. ومما يثير القلق أن الغالبية العظمى من المصابين بالأيدز ( أكثر من 95%) هم من دول العالم الثالث وبالذات من قارتي أفريقيا وآسيا. فقد تجد في بعض الدول الأفريقية أنه مابين كل 3 نساء حوامل هنالك احداهن مصابة بالفيروس. طرق إنتقال الفيروس تتلخص في الإتصال الجنسي مع شخص مصاب، وإستخدام الحقن الملوثة بالفيروس، ونقل الدم الملوث أو أحد مشتقاته، وأيضا من الأم الحامل والمصابة بالفيروس إلى الجنين أثناء الحمل أو أثناء الرضاعة الطبيعية بعد الولادة.
غالبية المرض يأتي من الاتصال الجنسي غير الآمن اي اثناء ممارسة الجنس عن طريق السوائل والافرازات الجنسية من الشخص المصاب إلى الشخص السليم سواء كان الاتصال الجنسي مهبليا او عن طرق اخرى كالجنس الشرجي او الفموي. أيضا من خلال الدم الملوث بفيروس الإيدز حيث ان فيروس الايدز يمكنه ان يتواجد في الدم لذا فنقل دم ملوث بالفيروس او استخدام ابرة مستعملة وملوثة قد يتسبب في الاصابة وكثيرا ما يحصل عن طريق تعاطي المخدرات بأبر ملوثة. ان هذا المرض مرتبط بالسلوكيات غير الآمنة وهذا يدعونا لإعادة ربط الإنسان بخالقه والتنشئة الصحيحة للإنسان لوضع حد لهذا المرض.
مريض الأيدز دائما متهم بأنه المسؤول عن إصابة نفسه حيث أن هنالك بعض المصابين بالمرض نتيجة إنتقال الفيروس المسبب للإيدز وكما أشرنا سابقا من الدم الملوث بالفيروس من خلال عمليات نقل دم لهم وأيضا هنالك الأطفال الذين أصيبوا بالفيروس نتيجة لأن أمهاتهم كانت حاملة للفيروس، وأيضا هنالك نساء تعرضن للإصابة بالفيروس من خلال الإتصال الجنسي الطبيعي مع أزواجهن المصابين بالفيروس. فمن غير المعقول أن نتهم هؤلاء الأشخاص بأنهم مسؤولون عن إصابتهم بالفيروس وبالتالي بالمرض. ومن المعلوم ان فيروس الإيدز لا ينتقل بالرعاية او بالمخالطة او بملامسة سوائل وافرازات جسم المصاب المختلفة كالدموع والعرق واللعاب والبول او البراز ولا ينتقل عن طريق مشاركة المصاب الطعام ولا بالانتظام في نفس الفصل الدراسي مع زميل مصاب بالفيروس ولا بالمعانقة او التقبيل ولا أيضا عن طريق استخدام مرحاض مشترك أو بركة سباحة عامة.
ألاعراض المرضية
منذ اكتشاف فيروس نقص المناعة المكتسبة والمتسبب بمرض الايدز في بداية الثمانينات وبمرور الزمن اكتشف العلماء ان لهذا الفيروس قدرات عجيبة في تحدي الكثير من خلايا الجسم والفتك بها وبالذات خلايا جهاز المناعة. مرض فقدان المناعة المكتسبة تم وصفه لاول مرة في سنة 1981م كمجموعة من الامراض الاكلينيكية والتي تحصل نتيجة لحصول خلل في جهاز المناعة وبالذات المناعة الخلوية. كما هو معروف ان المناعة نوعان مناعة طبيعية ومناعة مكتسبة. والمناعة المكتسبة أيضا يمكن تقسيمها الى نوعين, المناعة المصلية وهي المتعلقة بانتاج الاجسام المناعية المضادة والمناعة الخلوية وهي المناعة التي تتحكم فيها خلايا “ت” اللمفاوية. تم بعد ذلك التعرف على الامراض والاعراض التي تحصل عند الاصابة بالايدز من قبل مركز الامراض الوبائية بالولايات المتحدة الامريكية او مايسمى( Centre for Disease Control) او ( (CDCباطلنطا في ولاية جورجيا وذلك قبل اكتشاف الفيروس المسبب لنقص المناعة (8) .
مركز الامراض الوبائية بالولايات المتحدة الامريكية صنف الكثير من الاعراض والامراض الانتهازية وغير الانتهازية والسرطانات والتي في وجود فيروس نقص المناعة المكتسبة يمكن وصف المريض بانه مصاب بمرض الايدز. بالاضافة الى ذلك نقص في خلايا “ت” اللمفاوية اقل من 200 خلية في كل ملليليتر مكعب بالاضافة الى وجود فيروس نقص المناعة يمكن وصف المصاب بانه مريض بالايدز. عادة مرضى الايدز يتعرضون لأنواع عدة من الإخماج وبالذات في الرئتين والمخ والعيون وأعضاء مختلفة من الجسم. وأيضا يتعرضون إلى إسهال مزمن ونقص بالوزن وقابلية للاصابة بنوع من السرطانات يطلق عليه اسم غرن كابوسي.
مراحل مرض الإيدز
المرحلة الأولى: قد يتعرض بعض المصابين الى ما يشبه أعراض مرض الانفلونزا. بعد أيام قليلة من العدوى قد تكون هنالك اندفاعات جلدية بسيطة وقد تبقى بدون ملاحظة.
المرحلة الثانية: مرحلة كمونية بدون أية أعراض سريرية وقد تصل إلى 12 سنة
المرحلة الثالثة: ضخامة في الغدد اللمفاوية خاصة في العنق والنقرة، ضخامة الطحال، نقص الوزن (من 7 إلى 10 كغ) , حرارة فوق (38ْ) إما منقطعة أو مستمرة، إسهالات، تعرق ليلي، تعب واعتلال عام.
المرحلة الرابعة: سرطان كابوسي معمم، أو اعتلال من انتان انتهازي لا يخلص منه الجسم كما يفعل عادة، وهي تعتبر مرحلة انعدام آخر حاجز مناعي وبالتالي حدوث طوفان متدفق من هجوم جرثومي أو فطري أو سرطاني.
فيروس الإيدز يعمل على تدمير جهاز المناعة في الجسم ببطء شديد فإذا ضعفت مناعة الإنسان فإن هناك امراضا انتهازية تهاجمه لأنها تنتهز فرصة ضعف المناعة لتغزو الجسم بينما لا تستطيع مهاجمة الجسم إن كانت مناعته قوية ومن اكثر الأمراض الانتهازية شيوعا بين مرضى الايدز هو مرض السل ( الدرن الرئوي) والتهابات الجلد والفم. وقد تظهر على مريض الايدز بعض الاعراض التالية:
– ارتفاع في درجة الحرارة مع عرق غزير خصوصاً أثناء الليل.
– احتقان في الأنف والقصبة الهوائية مع سعال جاف مصحوب بارتفاع في الحرارة وإحساس بضيق في التنفس، وقد يظن المريض أنه أصيب بنزلة برد وانفلونزا عادية.
– آلام في البطن وإسهال شديد وفقدان الشهية.
– تضخم الغدد الليمفاوية في أماكن متفرقة مثل تحت الأذن وعلى العنق وفي الإبطين وفي أعلى الفخذين عند اتصالهما بالبطن ويزداد الشك إذا استمر هذا التضخم أكثر من شهر.
– يفقد المريض الكثير من وزنه ويبدو الشحوب على وجهه نتيجة فقر الدم “الأنيميا الشديدة”.
– عدم التوافق في الحركة مع ضعف في عضلات اليدين والساقين.
– ظهور بعض البثرات على الجلد.
– كثرة النسيان والتلعثم والارتعاش.
– الضعف الجنسي.
ظهور بقع بيضاء في الفم، سميكة نوعاً ما، وتظهر على كل أجزاء الفم من الداخل وليس على اللسان وحده تسببها بعض الفطريات كالكانديدا البيكانس.
– أورام حمراء داكنة تظهر في أي مكان في الجسم وتزيد في الحجم مع مرور الوقت.
إن حالةَ تطور مرض الأيدز مشابهة لقطارِ يسافر في رحلة سريعة نحو الهاوية. إنّ سرعةَ القطار محددة بالوقود (كمية الحمل الفيروسيِ الموجود في المريضِ) والمسافة بين القطار والهاوية تحدد بعدد الخلايا اللمفاوية من النوع تي وتحديداً سي دي4+. كلما قل عدد الخلايا زاد قرب القطار من الهاوية. هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على قوة محرّكِ القطار وسرعته. الجدول (1) يلخص العوامل التي تُؤثّرُ على سرعة القطار زيادة ونقصاً بمعنى سرعة تطور مرض لأيدز. إن السيطرة على هذه العوامل تلعب دوراً مهماً في الجودة النوعية لحياة المصابين بفيروس (إتش آي في) و مرضى الأيدز.
الجدول:1 عوامل قد تخفف شدة مرض الإيدز او تطيل عمر المريض:
م العامل الآثار الممكنة
1 ملائمة العلاج وقوة ارتباطه – الأدوية المضادة للفيروسات العكسية.
– معالجة الإصابات الانتهازية.
– اللقاحات وأدوية الوقاية التي تؤثر على الإنترفيرونات وغيرها
2 عوامل بيولوجية والتي تقلل من شدة مرض الإيدز مما يطيل عمر المريض مثل (العمر، الجنس، الحمل،…الخ)
3 عوامل فيروسية كون الفيروس من السلالة الممرضة أم لا وعدد مرات التعرض للفيروس.
العامل الوراثي: (نيف)، حيث إن حذف هووجود ضرر في خط الخلايا اللمفاوية من النوع تي وتكوين مظاهر سنثيا والتي تسود خلال تطور المرض.
4 عوامل لدى الشخص الختان، الأمراض المنقولة جنسياً، عوامل الشخصية ونمط الحياة.
5 التغذية سوء التغذية.
د. فارس بن قليل العنزي
استشاري وأستاذ علم المناعة المشارك
جامعة الخرج
http://faculty.ksu.edu.sa/24488/arabic/default.aspx