الدجل في رؤية الشهر – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
10/10/1432
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله رفع الصادقين المتقين ، وأحب المنفقين المستغفرين ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وفضله المكملين ، واسأله المزيد والرفعة في الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،ولا مثيل ،ولا نظير ، ولا ند ، ولا شبيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الورى وأصدق الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، فهي أمنية المؤمنين ، وراحة الموحدين ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )(1)
أيها المؤمنون : تمر الأيام بالناس والليالي ، وتنقضي الأعمار ، فمن هم من يسير في ركب السعادة والطاعة ، ومنهم من يمتطي صهوة الشهوات ويفارق الجماعة ، ومعلوم أن من فارق الجماعة شبرا فارق الإسلام ،والنبي يقول (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) (2) ويقول
– « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية ».(3) وعن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله
فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس وقال « اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم » (4)
أيها الناس : إن ما يحدث كل عام من إثارة الناس في مسألة رؤية الهلال ، وماحدث هذا العام من محاولة طعن وتشكيك في سنة نبينا ، هو دعوة لنبذ السنة وتركها وراء ظهورنا ، ورغبة لزعزعة هذه البلاد ، وبث الفرقة بين الولاة والعلماء والعامة ، وصدا للمسلمين عن الأخذ من سنة نبيهم ، وشريعة ربهم ، وقيض الله هذا العام لهم العلامةمفتي البلاد فرد عليهم ردا شافيا كافيا وافيا (5) ، فأحكام الهلال واضحةً بينة بينها القرآن والسنة ، وواجب علينا الأخذ بها والعمل بها فالله يقول ( وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )(6) ، لأجل ؛ حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرّفاتكم ؛ لأنّ الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الأهلة ، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية (7) ، ولو جعل الله شمسين، شمسا بالنهار وشمسا بالليل ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يعلم عدد السنين وحساب الشهور (8)وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(9) ، جعل الله تعالى الأهلة بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر، ثم يتزايد إلى نصفه، ثم يشرع في النقص إلى كماله، وهكذا، ليعرف الناس بذلك، مواقيت عباداتهم من الصيام، وأوقات الزكاة، والكفارات، وأوقات الحج.ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات، ويستغرق أوقاتا كثيرة قال: { وَالْحَجِّ } وكذلك تعرف بذلك، أوقات الديون المؤجلات، ومدة الإجارات، ومدة العدد والحمل، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق، فجعله تعالى، حسابا، يعرفه كل أحد، من صغير، وكبير، وعالم، وجاهل، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية، لم يعرفه إلا النادر من الناس (10) .
أيها الموحدون إن النبي لم يترك الناس هملا ، بلا علمهم ونبههم ؛ لما فيه حياتهم ومصلحة معاشهم لذا ؛ يقول (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمى عليكم فأكملوا العدد) (11) .وقال
: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمى عليكم فاقدروا له) (12) فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب ، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها ، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال ، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب .
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه ، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر – أيضا – ، فأوله طلوع الفجر الثاني ، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض ، وآخره غروب الشمس . (13) ، وكذلك أوقات الصلاة، وهذه الأحاديث نص في أنه عليه السلام لم يرد اعتبار ذلك بالنجوم والمنازل ، لأنه لو كلف ذلك أمته لشق عليه ، لأنه لا يعرف النجوم والمنازل إلا قليل من الناس ، ولم يجعل الله تعالى في الدين من حرج ، وإنما أحال عليه السلام على إكمال ثلاثين يومًا ، وهو شيء يستوي في معرفته الكل ، وقد انضاف إلى أمره باعتبار العدد ثلاثين عند عدم الرؤية (14) ،وقال ابن عباس جاء أعرابي للنبي – – فأخبره أنه رأى الهلال، فقال له ( أتشهد ألا إله إلا الله قال نعم، وأني رسول الله، قال، نعم، قال فصام وأمر الناس بصيامه )، وقال ابن عمر تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي –
– أني رأيته( فصام وأمر بصيامه ) (15) إذا عند الرؤية البصرية المجردة يجب أن نصوم إذا شهد مسلم معروف عدالته وحسن بصره”. قال ابن رشد ( فإن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين)
أيها الأحبة لنعلم أن دخول الشهور وحسابها أننا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب فمنع النبي الحساب في القطع بمسألة دخول الشهر وخروجه ، فقال في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي
أنه قال : “ إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ” (16) ، ولقد أجمع علماء الأمة على أن دخول الشهر لا يعتدّ به بعلم الفلك ، وإنما يعتد به برؤية العين المجرَّدة أو جهاز التلسكوب ، وهو المسبار الفضائي؛ لأن الحساب قد يُخطئ ، فنقل ابن عبد البر الإجماع على عدم قبول الحساب الفلكي في دخول الشهر ، ونقل الحافظ عن الباجي : إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب وأن إجماعهم حجة على من بعدهم (17)،وقال ابن باز رحمه الله لا يجوز اعتماد الحساب (18) ، وبذلك قال أهل العلم الذين يعتد بأقوالهم وقال ابن عثيمين رحمه الله فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان، ولكن لم ير الهلال، فإنه لا يصام؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية (19) . انتهى كلامه رحمه الله . ولنعلم عباد الله أن ديننا لا يمنع العلم ، وإنما هذه المسألة قد وردَ فيها نص شرعي ، وهو اعتماد الرؤية وثبوتها من الشاهد ، وفي هذا الشريعة الإسلامية توسع المدارك ، واتساع بقعة اليُسر في الأحكام فشروط دخول رمضان هي إما أن يتم الشهر ثلاثين يوما ، أو يشهد شاهد عدل
أيها الأحبة إن الشهر عند الفلكيين حسابه غير حساب الشهر في الشريعة ،فالشهر يبتدئ عند الفلكيين قبل البدء بالاعتبار الشرعي ونتيجة لذلك فهو ينتهي قبل .و الشهر مقدر بوحدة زمنية ثابتة عند الفلكيين هي (29) يوماً و (12) ساعة و (44) دقيقة . أما بالاعتبار الشرعي فهو إما (30) يوماً أو (29) يوماً .و الشهر يبتدئ باعتبار الشرع بطريق (الحس) والمشاهدة بالعين الباصرة أو بالإكمال بخروج الهلال حقيقة أما باعتبار الفلكيين فهو : بتقدير خروجه لا بخروجه فعلاً (20) .
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .
(2) خرجه الألباني في إرواء الغليل (6/ 215) (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن ” . أخرجه الترمذي ( 2 / 25 ) والحاكم ( 1 / 114 ) والبيهقي ( 1 / 91 ) من طريق محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عنه . وقال الترمذي : ” حديث حسن صحيح غريب ” . وقال الحاكم : ” صحيح على شرط الشيخين ” المستدرك (1/ 197). ووافقه الذهبي . قلت : وهو كما قالا
(3) رواه مسلم في كتبا الأمارة باب الأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَتَحْذِيرِ الدُّعَاةِ إِلَى الْكُفْر (6/ 21) ، ورواه البخاري ورواه الامام أحمد في المسند (13/ 424)
(4) رواه مسلم في كتاب الأمارة باب فى طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق. (6/ 19)
(5)في خطبة الجمعة 4/10/1432للعلامة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي الديار السعودية حفظه الله قال: لـ «المدينة» : إن المشككين في صحة دخول عيد الفطر كذابون ومفترون على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . واوضح سماحته إن ما يتداوله بعض الناس بناء على حديث الفلكيين وغيرهم بأن رؤية هلال شهر شوال استحيلت مساء الاثنين الماضي، وأن من المرجح أن يكون ما تم رصده هو كوكب زحل، كذب وافتراء على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وعلى شرعه الكريم في اثبات دخول شهر رمضان والخروج منه .واوضح أن هذا القول وبهذه الصفة يخالف حكم الله تعالى ورسوله الكريم الداعي إلى صيام شهر رمضان المبارك لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته ، واشار الى ان تشكيك البعض بصحة دخول العيد منافٍ لما أمر به الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وخلص سماحته في حديثه الى أن اثبات دخول عيد الفطر المبارك جاء بشهادة العدول الثقات الذين رأوا الهلال. http://www.madenanews.com/news-action-show-id-1512.htm
(6) سورة يونس ، آية : 5.
(7)تفسير السراج المنير (2/ 5)
(8)تفسير القرطبي (8/ 310) عن ابن عباس
(9) سورة البقرة ، آية : 189 .
(10)تفسير السعدي (ص: 88)
(11)رواه البخاري في: 30 كتاب الصوم: 11 باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، ورواه مسلم في كتاب الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم فى أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (3/ 124) ، ورواه أحم في المسند (3/ 445)
(12)أخرجه البخاري “4/135″، كتاب الصوم: باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان، الحديث “1906”، ومسلم “2/760″، كتاب الصيام: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، حديث “8/1080″، والنسائي “4/134″، كتاب الصيام: باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث، وابن ماجه “1/529″، كتاب الصيام: باب ما جاء في “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” حديث “1654”، وأحمد “2/145″، والطيالسي “1/182- منحة” رقم “866”، والبيهقي “4/204- 205″، كتاب الصيام: باب الصوم لرؤية الهلال، وابن خزيمة “3/201” رقم “1905”، وأبو يعلى “4/337” رقم “5448” من طريق الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا بلفظ “إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له” .
أخرجه مالك في “الموطأ” “1/286″، كتاب الصيام: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان “1” من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رمضان فقال: “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فاقدروا له” .
(13)شرح النووي على مسلم (7/ 190)
(14)شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال (4/ 27)
(15)خلاصة البدر المنير (1/ 318) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم
(16)أخرجه أحمد 2/43(5017) و”البُخَارِي” 3/35(1913) و”مسلم” 3/123 (2478) و(أبوداود) 2319 و”النَّسائي” 4/139
(17) فتح الباري ج 4 ص 127
(18)مجموع فتاوى ابن باز(30)جزءا (15/ 66-67) قال ابن باز رحمه الله :الاعتماد في إثبات شهر رمضان وشهر شوال وشهر ذي الحجة على الرؤية لا على الحساب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين » (1) . ولا يجوز الاعتماد على الحساب؛ لأن مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في الصحيحين وغيرهما. والمحاكم الشرعية في السعودية تعمل بالرؤية وتحكم بها ونحن نؤيدها في ذلك ؛ طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم، ونوصيك بتقوى الله والعمل بقوله سبحانه: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } وقوله عز وجل: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقوله سبحانه: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
(19)الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 301).
(20)فقه النوازل للدكتور بكر أبوزيد رحمه الله (2/ 220)