الربا والمختلط من الشركات وخطرهم – خطب الجمعة

كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
خطب الجمعه
الحمد لله أمرنا بأكل الحلال ونهانا عن الخبائث والحرام وجعل أي جسد نبت من السحت للنار أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير من صلى وصام ورغب في الحلال وحذر من الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة
أيها المسلمون إن الله قد هدانا وأرشدنا إلى سبيل الحق ، ثم الناس بعد ذلك إما شاكرا وإما جاحدا ، ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (1)، ( فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) فيجب على المؤمن تحري الحلال وترك الحرام ، وحري به أن يتورع عما اختلف فيه من المشتبهات حفظا لدينه وعرضه .
ولنعلم عباد الله أن أساس شريعة الله قائم على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم ، ولا يمكن بحال أن يجعل الله العز والمنعة والتقدم والحضارة لقوم بمعصيته جل وعلا، فما عند الله لا ينال إلا بطاعته
ولقد جعل الله سبيل النجاة واضحا جليا لمن أراد الله والدار الآخرة ، ولا يظنن ظان أن في أتباعه لسبيل الله جل وعلا العنت والمشقة ، فالله رفع عن الناس الحرج ، وقد أرشدهم لنجاتهم بأن يحصنوا أنفسهم ويبتعدوا عن المهالك ومواطن الشبهات ، ويتحصنوا بسترة من الحلال تكفيهم مغبة الوقوع في الحرام .
• عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول اللهيقول : ( اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال )
إخوة العقيدة إن طلب الحلال أمر لازم وفريضة من أعظم الفرائض، وأن ذلك هو الحصن الحقيقي من شرور هذه البلايا والفتن .
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) . (2)
قال القرطبي : سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام ، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: “إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ “. وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم .
وقد حثنا الشرع الحنيف إلى طلب الحلال وترك الحرام فعن أنس بن مالك عن النبي قال : “ طلب الحلال واجب على كل مسلم ”
قال سهل بن عبد الله : النجاة في ثلاثة : أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي .
وقال : ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم ، ولا يكون المال حلالا حتى يصفو من ست خصال : الربا والحرام والسحت والغلول والمكروه والشبهة .
إذا تقرر ذلك فإن الناظر لحال الناس الآن فهم للمال يسارعون وعن حله لايسألون وبأخذه يفتخرون وبنهبه يهنئون فالغني الفاجر هو الشاطر الفالح والفقير هو المسكين الحسير أين من كاد يخرج روحه من لقمة أكلها خشية أن تكون من حرام
لكن الآن الحلال ما حل في الجيب وماسواه فيه نظر أجساد على السحت تربت فما هي فائدته وهل تخاف من فاطرئها نبيكم لابغضب إلا بانتهاك محارم الله أيها المؤمنون لقد كثر في زمننا أكل الحرام والفرح به
وخصوصا أكل الربا الذي عمَ وطمَ حتى ُأحل قليلهُ فأصبح المختلطُ حلال والنبي يقول (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية )
ظهور الربا سبب لإهلاك القرى ونزول مقت الله
قال ” إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ”
الربا شقيقة الشرك . الربا سبعون بابا، والشرك مثل ذلك ” وفي رواية لابن ماجه ” الربا ثلاثة وسبعون بابا ”
الربا أشد من ستة وثلاثين زنية أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال: ” خطبنا رسول الله ، فذكر الربا وعظم شأنه، فقال: (إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم)
وأما إجماع الأمة على حرمة قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه قال شيخ الإسلام ابن تيمية المُراباةُ حرام بالكتاب والسنة والإجماع وقد لعن رسول الله آكله وموكله وكاتبه وشاهديه قال ابن حجر عدُ الربا كبيرة هو ما أطبقوا عليه روى أحمد باسناد جيد عن كعب الأحبار قال لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إليً من أكل درهم ربا يعلم الله أنا أكلته حين أكلته ربا
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين المسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثير أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون بعض الناس يريد أكل الربا بحجة الحاجة وهذا أمر محرم كما سمعتم لكن السبب النفس تجـزع أن تكون فقيــرة والفقر خيـر من غنى يطغيـها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن ابت فجميع مـا في الأرض لا يكفيها
أموالنا لذوي الميـراث نجمعهـا ودورنـا لخراب الدهر نبنيـها
كم من مدائن في الإقامة قد بنيـت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
أيها الناس: اجتنبوا الربا وكل كسب حرام؛ فإنه يمنع إجابة الدعاء، ويورث الشقاء، ويجلب أنواع البلاء، ويقسي القلوب، ويغريها بالإثم والفحشاء، لا تسمع من صاحبه الدعوات، ولا تقبل منه الصدقات، ولا يبارك الله في التجارات، ولا يثاب على النفقات، عليه غرمه ولغيره غُنمه.
فاتقوا الله يا أهل الإسلام، واجتنبوا الحرام، واحذروا الآثام ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن استغنى عن شيء أغناه الله عنه، ومن يستعفف يعفه الله ن ومن يتق الله يرزقه الله: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً.
________________________________
(1) سورة الانسان:3
(2)سورة المؤمنون :51