الرد على من أجاز إبطال السحر بالسحر – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله، خلق الخلائق وقدر أقواتها، وقسم أرزاقها، وحدد آجالها، فلن تموت نفس حتى تسوفي رزقها وأجلها, أحمده سبحانه وأشكره أبان الطريق، وأوضح السبيل، فاستبانت نفوس الحق وأجابت دعوة ربها، وضلت أخرى فآثرت هواها على هداها فاستسلمت لشهواتها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الحق واليقين، إيماناً بحقيقتها، وعملاً بمقتضياتها.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالهدى ودين الحق، بإتباعه تبلغ النفوس مناها في آخرتها ودنياها. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خير الأمة وأزكاها، وأبرها وأتقاها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1)
أيها المؤمنون لقد انتشر أمر أخطأ بعض الناس فيه وتكلم من تكلم بجواز هذا الأمر وهو حل السحر أو ما يسمى بالنشرة التي هي: حل السحر عن المسحور فقد جاء في الحديث: (أن النبي –– سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان )، وروي عن الحسن أنه قال: ” لا يحل السحر إلا ساحر “، وفي البخاري عن قتادة قلت لسعيد بن المسيب عن رجل به طب، يعني سحر، أيؤخر عن امرأته أو ينشر -يعني: أيحل عنه السحر- فقال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلا نهي عنه.
قد جمع العلماء بين هذه الآثار بأن النشرة نوعان: نوع جائز ونوع محرم، كما بين ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله – وغيره من أهل العلم وقالوا: إن النشرة نوعان: نوع محرم: وعليه تحمل النصوص التي وردت في المنع منه، يحمل عليه قول النبي –– لما سئل عن النشرة قال: (هي من عمل الشيطان )النشرة المعهودة في الجاهلية التي يفعلها أهل الجاهلية من حل السحر بطريق غير مشروع عن طريق السحرة والإتيان إليهم فيحلونه بأعمالهم الشركية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “القول المفيد” معلقا على هذا الحديث”وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول حكم النشرة ، وأنها من عمل الشيطان ، وهذا يغني عن قوله إنها حرام ، بل هذا أشد من قوله إنها حرام ، لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها ، والتنفير عنها ، فهي محرمة ” انتهى ، وعلى هذا الحديث يحمل قول الحسن “لا يحل السحر إلا ساحر”، إذا كان حل السحر عن طريق السحرة عن طريق محرم، يعني: بأن يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب حتى يبطل عمله عن المسحور فهذا هو المحرم، وهذه هي النشرة المعهودة في الجاهلية، يتقرب الناشر والمنتشر كل منهما يتقرب إلى الشيطان بما يحب، إما أن يتكلما بكلمة الكفر التي يحبها الشيطان أو يتقربا إليه بذبح قرابين لغير الله، أو بأعمال كفرية هذا حرام.
أيها المؤمنون اعلموا أنه لا يجوز للإنسان أن يحل السحر بسحر مثله بواسطة الإتيان للسحرة والكهان، لأنه لا ينبغي الإتيان إليهم ولا الرفع من شأنهم، ولما سئل النبي –– عن الكهان قال: ليسوا بشيء، يعني: ما يوثق بهم ولا يجوز للمسلم أن يأتي إلى السحرة ولا إلى الكهان، بل الواجب عليه أن ينكر عليهم، وإذا علم أحدا منهم يرفع به إلى ولاة الأمور حتى يؤخذ ويقام عليه الحد ولقد حذر علماؤنا سلفٌ وخلفٌ من حل السحر بالسحر قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير ، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال ، لأن ذلك محرم في كل حال ، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه ، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر ، والشيطان إذا عرف أن صاحبه مستخف بالعزائم لم يساعده ، وأيضا فإن المكره مضطر إلى التكلم له ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين :
أحدهما : أنه قد لا يؤثر أكثر مما يؤثر من يعالج بالعزائم ، فلا يؤثر ، بل يزيده شراً .
والثاني : أن في الحق ما يغني عن الباطل ” انتهى من “مجموع الفتاوى
فلقد سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز–رحمه الله :
هل يجوز تعلم حل وفك السحر عن المسحور ؟
الـجــواب : إذا كان بالشئ المباح ، من الأدعية الشرعية ، أو الأدوية المباحة ، أو الرقية الشرعية ، فلا باس ، أما أن يتعلم السحر ليحل به السحر أو لمقاصد أخرى فذلك لا يجوز ، بل هو من نواقض الإسلام ، لأنه لا يمكن تعلمه إلا بالوقوع في الشرك ، وذلك بعبادة الشياطين من الذبح لهم ، والنذر لهم ونحو ذلك من أنواع العبادة ، والذبح والتقرب إليهم بما يحبون حتى يخدموه بما يحب انتهى كلامه و ابن عثيمين رحمه الله حرُم ذلك وقال إن السحر من الكفريات وصدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماعة الشيخ عبدا لعزيز آل الشيخ حفظه الله تحذر من حل السحر بالسحر والذهاب للسحرة
إخوة الدين قال أحد العلماء إن “القول بجواز حل السحر عن المسحور يلزم عليه لوازم باطلة، منها: جواز تعلم السحر لمن أراد تعلمه من أجل حله عمن أصيب به، بل يتعين أن يكون ذلك من فروض الكفايات على الأمة، وهذا باطل لا يقول به أحد من أهل العلم المعتبرين”.
وأضاف: “ويلزم على هذه القول أن السحرة منهم المصلح المثاب عند الله تعالى وهو الذي يحل السحر، ومنهم المفسد المستحق للعقاب وهو من يعقد السحر، بل يتعدى إلى ما هو أعم من ذلك، فمن تعلمه من أجل الإضرار به فهو محرم، ومن تعلمه من أجل النفع فمستحب. وهذا خلاف ما قضى الله به على السحرة على جهة الإطلاق والعموم (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) فنفى عن السحرة الفلاح نفيا عاما مطلقا كما سبق تقريره، ووصفهم بأنهم مفسدون، ولم يستثن من السحرة أحدا، ولا من سحرهم شيئا”.
أيها المسلمون لقد أخبر سبحانه أن تعلم السحر ضرر لا نفع فيه، فقال (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ) وما لا نفع فيه وضرره محقق، لا يجوز تعلمه بحال. ثم يقول سبحانه (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ) أي لقد علم اليهود فيما عهد إليهم، أن الساحر لا خلاق له في الآخرة، قال ابن عباس: ليس له نصيب، وقال الحسن: ليس له دين. فدلت الآية على تحريم السحر، وعلى كفر الساحر، وعلى ضرر السحرة على الخلق، وقال سبحانه (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ففي هذه الآية الكريمة، نفي الفلاح نفياً عاماً عن الساحر في أي مكان كان، وهذا دليل على كفره.
معاشر المسحورين عليكم الصبر ثم الصبر فالصبر يعظم الأجر فأيوب عليه السلام ابتلي ثمانية عشر سنة وصبر وتذكروا دائما أن فرج الله قريب فالذي ابتلاك يريد رفعة درجاتك ولا تنسى ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فلن يسناك وسيشفيك فهل تصبر و تصابر
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ)
أيها الأحبة لنكن حصونا أمام السحرة وأعوانهم ولنبتعد عن الشرك والفساد ولنلزم طريق الرشاد والفلاح ولنبلغ عن كل ساحر وساحرة وفاجر وفاجرة ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )(2) أنتم حماة الدين والعقيدة فكونوا لها حراسا فهي سبب وجودكم وخلقكم وفيه عزكم ونجاتكم يوم الحسرة والندامة
الآ وصلوا وسلموا على نبي الرحمة كما أمركم الله بهذا فقال إن الله ملائكته يصلون على النبي ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صلي وسلم وزد وبار على نبي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأرضى اللهم عن الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن أصحاب الشجرة وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحبه وترضه واجعل عمله في رضاك اللهم وفقه وسائر ولاة المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم ادفع عنا الربا والغلا والزنا والزلال والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها عن بلد هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الرحمين.
______________________________
(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .
(2) سورة المائدة : 2