الفتوى بغير علم __ للشيخ سعد السبر

الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله وألهمه نور الإيمان فزينه وجمله وعلمه البيان واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله الذي أكرمه وبجله ونبيه الذي أرسله بكتاب انزله وأسمى فضله وبين سبله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه ومن قبله ما كبر الله عبد و هلله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله وحده له الخلق وأن الله وحده له الأمر والحكم قال الله عز وجل:﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وقال جل ذكره:﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فلا خالق إلا الله ولا مدبر لشئون العالم العلوي والسفلي إلا الله ولا حاكم للخلق ولا حاكم بين الخلق عند الاختلاف إلا الله ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ فالله وحده هو الذي يوجب الشيء ويحرمه وهو الذي يندب إليه ويحلله إما في كتاب الله أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
أيها المؤمنون لما كانت الفتوى ذات آثار كبيرة على المفتي والمستفتي، وقبل ذلك على دين الله وأحكامه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد عظم الله أمرها، وحَرَّم القول فيها بغير علم، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى: ومن أظلم ممن افترى” على الله الكذب . أي لا أحد أظلم منه وقوله: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون . متاع قليل ولهم عذاب أليم .
وإذا كان هذا في حق الذين يفتون بغير علم فإنه لا يسلم أحد من مسئولية الفتوى ولو كان عالماً بها. كما في قوله تعالى: ليسأل الصادقين عن صدقهم . وقوله عز ذكره: ستكتب شهادتهم ويسألون . وقوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .
وأما السنة في عظم شأن الفتوى ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار).
وفي حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد
أيها الأحبة لقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، ومن سمعوا قوله يتحرجون في الفتوى، وفي ذلك قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى وذكر أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة، أنه سمع شيخه أبا حنيفة يقول: من تكلم في شيء من العلم وتقلده وهو يظن أن الله لا يسأله عنه كيف أفتيت في دين الله؛ فقد سهلت عليه نفسه ودينه، وقال: لولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحداً، يكون له المهنأ وعلي الوزر. وقيل إن الإمام مالك إذا سئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار وقال الإمام الشافعي: ما رأيت أحداً جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت عن الفتيا منه. وكان هذا يقول أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيه قال الربيع بن خثيم ليتق احدكم ان يقول احل كذا وحرم كذا فيقول الله كذبت لم احل كذا ولم احرم كذا. وقال ابن وهب سمعت مالك بن اوس يقول ادركت علماءنا يقول احدهم اذا سئل اكره هذا ولا احبه ولا يقول حلال ولا حرام.
أيها الناس لقد أفاض العلماء -رحمهم الله- في تحديد ضوابطها وتفصيل قواعدها، ومنها ما ذكره الإمام الشافعي أنه: “لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة بصيراً بالشعر وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي”. لم يكن هذا قول الإمام الشافعي في ضوابط الفتوى وقواعدها، بل جل العلماء تكلموا في هذه المسألة وأكثروا فيها بالتشديد؛ فالإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- لما سئل عن الرجل يحفظ مائة ألف حديث أيكون فقيهاً ؟ قال لا ، قيل مائتي ألف ؟ قال لا. قيل فثلاثمائة ألف؟ قال لا، قيل فأربعمائة ألف ؟ قال بيده هكذا وحرك يده، وكان رحمه الله قد أخذ عن ستمائة ألف وأقوالهم -رحمهم الله- في هذه المسألة أكثر من أن تحصى. 28/4/1430


