القرار الحازم في مواجهة الفاسدين @ للدكتور محمد المصري

أمر الله المؤمنين بحفظ الأمانة والقيام بها وأدائها ووصفهم بمراعتهم لها فقال سبحانه وتعالى {المؤمنون:8} وقال سبحانه {النساء:58} .
وفي المقابل نهاهم عن الخيانة فقال سبحانه {الأنفال:27} وأخبر سبحانه بأنه لا يحب الخائنين فقال {الأنفال:58} وأنه لا يهديهم فقال {يوسف:52} .
كما استعاذ منها نبينا فقال ” اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ” .
وأخبر أن الخيانة من صفات المنافقين تنفيراً للمؤمنين عنها فقال ” آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان ” ونهى عن سلوك طريق الخيانة حتى مع الخونة فقال ” أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ” .
بل نهى عنها الله عز وجل حتى في التعامل مع الكفار الخائنين فقال سبحانه {الأنفال:58} .
والأمانة في الإسلام تشمل التزام المكلف بالقيام بحق الله و بحقوق عباده.
ومن أعظم ما تكون الخيانة حينما تصدر ممن تولّى ولاية عامة تختص بالقيام بحقوق المواطنين وبدلاً من أن يقوم بواجبه يعمد إلى استغلال منصبه الذي عُيّن به لجر منفعة لنفسه،أو لقرابته،أو لأصدقائه محاولاً التشبع من المال العام ومبرراً لنفسه هذا الإجرام الذي قال الله عنه {آل عمران:161} .
وبين النبي أهم معاني الغلول بقوله ” من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ” .
وقد حذر منه النبي بقوله ” لا إسلال ولا إغلال ” أي لا خيانة ولا سرقة من المال العام .
ويجب على من حصل له شيء من ذلك أن يتوب إلى الله عز وجل بأن يقر بذنبه ويندم على فعله ويعزم على أن لا يعود لمثله وأن يصلح ما أفسده بإعادة المال العام إلى الدولة ، فإن لم يفعل وعرف ذلك منه فإنه يلزم بإعادة ما أخذه ويعاقب تعزيراً عقوبة له وردعاً لأمثاله .
وحيث إن هذا هو الغالب الأعم فإن الشريعة الغراء عمدت إلى جعل ذلك من مسؤولية الدولة (فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ) .
وإن مما تجدد الإشارة إليه ، ويجب الثناء عليه تلك القرارات الملكية الحازمة و المتتابعة التي صدرت من ولي الأمر ورائد الإصلاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله بنصره -غرة عامنا الهجري 1431هـ ومنتصفه والتي نصت جميعها على تحريم الفساد وتحريمه بكافة أشكاله ووجوب محاسبة المقصرين ومعاقبة المجرمين وإدراج جرائم الفساد المالي والإداري ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الملكي .
وإن مما يميز هذه القرارات أنها صدرت من رأس الهرم -حفظه الله -مما يجسد عزم هذه الدولة المباركة ـــ أيدها الله بنصره ـــ على اجتثاث الفساد من جذوره ، وبأسلوب العين الناقدة المبصرة من ولي أمرنا ــ حفظه الله ــ وحتى لا يُتخذ القرار وسيلة إلى التشفي والانتقام فقد تم تحويل المتهمين إلى دوائر القضاء الشرعي ولمزيد من الشفافية في التطبيق فقد أسند المرسوم الملكي أمر التحقيق إلى هيئة التحقيق والادعاء العام والتي يتمتع أفرادها بخبرات شرعية وقانونية تمنع من استغلال المرسوم في غير ما صدر له ، علماً أن الحكم النهائي سيمر عبر دوائر القضاء المختلفة ما يضمن أن تكون الأحكام ذات مصداقية شرعية ، وشفافية نظامية وبالتالي فإن الأصل الشرعي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته إما بإقرار صريح أو ببينة عادلة أو قرينة قاطعة وما سوى ذلك فتتم تبرئته وردّ اعتباره ، وحماية عرضه وتعويضه عن الأضرار التي تحصل له أثناء فترة التحقيق .
وتطبيق هذه القرارات وبمتابعة خادم الحرمين الشريفين ستضع حداً ــ إن شاء الله تعالى ــ لكل أشكال الفساد في مختلف أرجاء الوطن ، كما سيعطي للجهات الرقابية في الدولة دعماً سياسياً كبيراً لمراقبة الفساد والتعامل معه بمنتهى الشفافية والنزاهة،ما يؤدي إن شاء الله إلى مزيد من الحماية للمال العام واستثماره في مصلحة الوطن والمواطن،وهو ما تهدف إليه تلك القرارات الحكمية من خادم الحرمين الشريفين الذي أسأل الله العلي القدير بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يسدد جهوده وأن يبارك فيها وأن يجعلها في موازين حسناته وحسنات والديه وأن يطهر بها بلادنا من الفساد والمفسدين وأن يظهر الحق ويرد الحقوق ويصلح الأحوال وأن يرحم الموتى وأن يعوِّض المصابين وأن يصرف عن بلادنا الفتن والكوارث وأن يديم عليها الأمن والإيمان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . كتبه الفقير إلى عفو ربه
د. محمد جاد بن أحمد صالح المصري