من روائع الحريري

إليكم هذه الأرجوزة من أجمل ماقرأت في مقامات الحريري وهي في المقامة البصرية
مقامات الحريري – (ج 1 / ص 123)
خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ … والمعْهَدِ المُرتَبَعِ
والظّاعِنِ المودِّعِ … وعدِّ عنْهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سلَفا … سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا
ولمْ تزَلْ مُعتكِفا … على القبيحِ الشّنِعِ
كمْ ليلَةٍ أودَعْتَها … مآثِماً أبْدَعْتَها
لشَهوَةٍ أطَعْتَها … في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ
وكمْ خُطًى حثَثْتَها … في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها
وتوْبَةٍ نكَثْتَها … لمَلْعَبٍ ومرْتَعِ
وكمْ تجرّأتَ على … ربّ السّمَواتِ العُلى
ولمْ تُراقِبْهُ ولا … صدَقْتَ في ما تدّعي
وكمْ غمَصْتَ بِرّهُ … وكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ
وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ … نبْذَ الحِذا المرقَّعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ … وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ
ولمْ تُراعِ ما يجِبْ … منْ عهْدِهِ المتّبَعِ
فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ … واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زَوالِ القدَمِ … وقبلَ سوء المصْرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ … ولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ … عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ
إلامَ تسْهو وتَني … ومُعظَمُ العُمرِ فَني
في ما يضُرّ المُقْتَني … ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ
أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ … وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ … بفَودِهِ فقدْ نُعي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي … على ارْتِيادِ المَخلَصِ
وطاوِعي وأخْلِصي … واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَنْ مضى … من القُرونِ وانْقَضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا … وحاذِري أنْ تُخْدَعي
وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى … وادّكِري وشْكَ الرّدى
وأنّ مثْواكِ غدا … في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ
آهاً لهُ بيْتِ البِلَى … والمنزِلِ القفْرِ الخَلا
وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى … واللاّحِقِ المُتّبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ … قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ … قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ
لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ … داهِيَةٌ أو أبْلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ … مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ
وبعْدَهُ العَرْضُ الذي … يحْوي الحَييَّ والبَذي
والمُبتَدي والمُحتَذي … ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفازَ المتّقي … ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ … وهوْلَ يومِ الفزَعِ
ويا خَسارَ مَنْ بغَى … ومنْ تعدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى … لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ … قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ … في عُمْري المُضَيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْدٍ مُجتَرِمْ … وارْحَمْ بُكاهُ المُنسجِمْ
فأنتَ أوْلى منْ رَحِمْ … وخيْرُ مَدْعُوٍّ دُعِي