اخبار عاجلة

الاستغفار جنة الأبرار && للشيخ سعد السبر



الحمد لله فتح بابه للسائلين وأجاب المستغفرين التائبين أحمده سبحانه وأشكره على جزيل فضله وواسع عطائه وأشهد الله إله إلا الله واحد أحد فرد صمد ليس له ند ولامثيل ولا ولد وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل والتوبة إليه آناء الليل و أطراف النهار ( يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) () ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )

أيها المؤمنون يعيش المسلم حياته في تقلب بين طاعة ومعصية وبين خير وشر وأعوان على كل سبيل تارة يعلو الخير وأخرى يعلو الشر فإذا تسلطت على الإنسان الذنوب وأظلمت الدروب لاح في الأفق رحمة علام الغيوب الدواء والجلاء للذنوب وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله: المَغْفِرَةُ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ.

وَقَالَ رَحِمَهُ الله:

فَمَنْ غُفِرَ لَهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ عُذِّبْ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالأَئِمَةِ.

وَقَالَ رَحِمَهُ الله:

وَلَيْسَ كُل مَنْ غُفِرَ لَهُ سَقَطَتِ العُقُوبَة عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الزَّانِيَ أَوِ السَّارِقَ لَوْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلابُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الحُدُودِ عَلَيْهِ . ()

فَالذُّنُوبِ وَاقِعَةُ لاَ محَالَة وَلَكِنَّهَا سَاقِطَةٌ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَوْبَةِ إستغفار ومغفرة تفضل بها الغفار جل جلاله قال عز وجل والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه () في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية وقوله عز وجل ومن يعمل سوءا أو يظلم به ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال عز وجل فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا وقال تعالى والمستغفرين بالأسحار { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ()

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } ()

{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } ()

{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } ()

{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ()

{ وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } ()

{ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ()

{ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } ()

{ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } ()

{ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } ()

{ قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ()

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم وقال صلى الله عليه وسلم ( من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وارزقه من حيث لا يحتسب ) () وقال صلى الله عليه وسلم (إنه ليغان على قلبي حتى إني لأستغفر الله تعالى في كل يوم مائة مرة ) () وقال صلى الله عليه وسلم (من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر أو عدد رمل عالج أو عدد ورق الشجر أو عدد أيام الدنيا ) ()

وقالت عائشة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ( إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار ) ()

وقال صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم ومن علم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي ) ()

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : ((إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)) . ()

إخوة الدين كان السلف لهم مع الاستغفار شأن عظيم قال خالد بن معدان يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إلي المتحابون بحبي والمتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت أهل الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم وقال قتادة رحمه الله القرآن يدلكم عن دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار وقال علي كرم الله وجهه العجب ممن يهلك ومعه النجاة قيل وما هي قال الاستغفار وكان يقول ما ألهم الله سبحانه عبدا الاستغفار وهو يريد أن يعذبه

وقال الفضيل قول العبد أستغفر الله تفسيرها أقلني وقال بعض العلماء العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار وقال الربيع بن خيثم رحمه الله لا يقولن أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم يفعل ولكن ليقل اللهم اغفر لي وتب علي

قال الفضيل رحمه الله الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين وقالت رابعة العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير قال بعض الحكماء من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا بالله عز وجل وهو لا يعلم وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول اللهم إن استغفاري مع إصراري للؤم وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك يا من إذا وعد وفى وإذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين ()

أيها الأحبة قال الضحاك: (ثلاثة لا يستجاب لهم: فذكر منهم: رجل مقيما على امرأة زنا كلما قضى منها شهوته قال: رب اغفر لي ما أصبت من فلانة، فيقول الرب: تحول عنها وأغفر لك، وأما ما دمت عليها مقيما فإني لا أغفر لك، ورجل عنده مال قوم يرى أهله فيقول: رب اغفر لي ما آكل من فلان فيقول تعالى: رد إليهم ما لهم وأغفر لك، وأما ما لم ترد إليهم فلا أغفر لك). وقول القائل: (أستغفر الله) . معناه: اطلب مغفرته فهو كقوله: (اللهم اغفر لي).فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار كما مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة.قال بعض العارفين: (من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره). وكان بعضهم يقول: (استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير).

فأفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذ يؤمل توبة نصوحا وإن قال بلسانه: (استغفر الله) وهو غير مقلع بقلبه وروى عن حذيفة أنه قال: (يحسب من الكذب أن يقول أستغفر الله ثم يعود).

وأفضل أنواع الاستغفار: – أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثنى بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة.قال أبو هريرة: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم ألف مرة وذلك على قدر ديتي).وبالجملة فدواء الذنوب الاستغفار.قال قتادة: (إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار) . قال رياح القيسى: (لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت الله لكل ذنب مائة ألف مرة). وحاسب بعضهم نفسه من وقت بلوغه فإذا زلاته لا تجاوز ستا وثلاثين فاستغفر الله لكل زلة مائة ألف مرة، وصلى لكل زلة ألف ركعة، وختم في كل ركعة منها ختمة. قال: (ومع ذلك فإني غير آمن من سطوة ربى أن يأخذني بها فأنا على خطر من قبول التوبة).ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاقت العدد والإحصاء فليستغفر الله مما علم. فإن الله قد كتب كل شيء وأحصاه . قال ابن رجب : فالتوحيد هو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة. لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد فى النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة. فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية. ()

——————————————————————————–

( ) سورة آل عمران ، آية :102 .

( ) الصارم المسلول على شاتم الرسول 3/

( ) إحياء علوم الدين – (1 / 311)

( ) سورة الحجر، آية : 49

( ) سورة الكهف آية :58

( ) سورة سبأ آية :15

( ) سورة ص آية :66

( ) سورة البقرة آية : 199

( ) سورة النساء آية : 106

( ) سورة المائدة آية : 74

( ) سورة هود آية : 3

( ) سورة هود آية : 52

( ) سورة الأنفال آية : 90

( ) سورة النمل آية : 4

( ) أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث ابن عباس وضعفه ابن حبان

( ) أخرجه مسلم

( ) أخرجه الترمذي

( ) متفق عليه

( ) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذر وقال الترمذي حسن وأصله عند مسلم

( ) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع 1617

( ) إحياء علوم الدين – (1 / 313)

( )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى