اخبار عاجلة

نسـائم الفجر

شبكة السبر :

نسـائم الفجر

في إهداء

تحقيق حديثي عاشوراء

للشيخ السبر

إهداء

فاضل بن خلف الحمادة الرقي

بسم الله الرحمن الرحيم

لله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة، والصلاة والسلام على رسول الملة، وعلى آله وصحبه، الذين كانوا أماناً للأمة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ظل إلا ظله.

وبعد:

فأغربَ إلى سمعي أبو عبد الله بحديثين على منبر الجمعة، مُسْنِداً ومن أَسْنَدَ فقد بَرئ من العهدة، فما كان من الفكر الكليل إلا تبصّر المحجة، مع قلة العتاد والعدة، فجرى القلم يثبت أقوال الأئمة، فجال فيها النظرُ فرتبها كحاطب يتقي الحية، عسى أن تقر به العين والمقلة، راجياً الثواب يوم لا ينفع ولد ولا درة، سائلاً المولى أن يستعملني في خدمة الكتاب والسنة، متأسياً بما جاء عن سلف الأمة.

والحديثان هما:

1- حديث: «يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء، فصوموه أنتم». لبيان اللفظة المنكرة.

2- وحديث: «إن الصرد أول طير صام عاشوراء». لبيان من قال بوضعه.

وكان تغليق المقالة مع بيان الخيط الأبيض، فوسمته بـ«نسائم الفجر في إهداء تحقيق حديثي عاشوراء للشيخ السبر».

فأسأل الله ذي الفضل أن يغفر لي ولأخي وللمسلمين، ويجاوز عن الزلل، إنه قريب مجيب الدعاء لمن سأله.

حرره

أبو اليمان الرقي

لتسع مضين من محرم 1431هـ

حديث صيام الأنبياء لعاشوراء

أولاً: روايات الحديث:

1- رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/311، وبقي بن مَخْلد كما في لطائف المعارف ص122، من طريق إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «صوم يوم عاشوراء يوم كانت تصومه الأنبياء، فصوموه أنتم».

2- ورواه البزار كما في كشف الأستار 1/490، برقم (1046) قال: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضيل، عن الهجري يعني إبراهيم، عن أبي عياض، عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «عاشوراء عيد نبي كان قبلكم، فصوموه أنتم».

ثانياً: أقوال أهل العلم في الحديث:

1- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/185: «رواه البزار وفيه إبراهيم الهجري وثقه ابن عدي وضعفه الأئمة».

2- قال العيني في عمدة القاري 11/118: «وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي هريرة يرفعه». فذكره.

3- ورمز السيوطي لحسنه في الجامع الصغير برقم (5365).

4- وقال الألباني الضعيفة 8/312، برقم (3851): «وهذا إسناد ضعيف؛ إبراهيم الهجري لين لحديث».

5- وقال في إرواء الغليل 4/112: «وهذا منكر بهذا اللفظ؛ وعلته الهجري واسمه إبراهيم بن مسلم قال الحافظ: لين الحديث، والثابت في الصحيحين وغيرهما أن موسى وقومه صاموه».

ثالثاً: دراسة الحديث:

ورد الحديث بإسناد واحد، وبلفظين مختلفين، وفيه علل:

العلة الأولى: إبراهيم بن مسلم العبدي أبو إسحاق الهجري، لين الحديث رفع موقوفات. انظر: تقريب التهذيب ص94.

العلة الثانية: الاضطراب في المتن:

ففي مصنف ابن أبي شيبة، ومسند بقي: «كانت تصومه الأنبياء».

وفي مسند البزار كما في كشف الأستار: «عيد نبي كان قبلكم».

وهذا الاضطراب ممكن إزالته، بترجيح الرواية التي توافق ما جاء في الصحيحين:

1- روى البخاري (1865)، مسلم (1910، 1911) واللفظ للبخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي  المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».

2- وروى البخاري (1866)، ومسلم (1912) واللفظ للبخاري: عن أبي موسى  قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي : «فصوموه أنتم».

وعليه تتبين نكارة لفظ: «تصومه الأنبياء»، والله أعلم.

تلمس علة ثالثة: وهي أثر التشيع في الرواية: وهذه العلة في إسناد البزار:

فـ:

1- محمد بن فضيل: صدوق عارف رمي بالتشيع. انظر: تقريب التهذيب 1/502.

2- وعلي بن المنذر الطريقي: صدوق يتشيع. انظر: تقريب التهذيب 1/405.

والغلو في تعظيم هذا اليوم من شعار الرافضة، فليتأمل.

رابعاً: مناقشة من جوّد إسناده:

1- أما قول الهيثمي في مجمع الزوائد 3/185: «وفيه إبراهيم الهجري وثقه ابن عدي». يقتضي أن الحديث ثابت على قول ابن عدي، وهذا الكلام فيه نظر؛ وبيان ذلك:

أن ابن عدي قال في الكامل في ضعفاء الرجال 1/212 عن الهجري: «هو عندي ممن يكتب حديثه».

فقوله: «هو عندي ممن يكتب حديثه» يعني للاعتبار لا الاحتجاج، وبين ذلك ابن حجر بقوله في تهذيب التهذيب 1/143: «وقال أبو أحمد بن عدي: ومع ضعفه يكتب حديثه وهو عندي ممن لا يجوز الاحتجاج بحديثه».

فكلام ابن عدي في إبراهيم بن مسلم الهجري لا يقتضي التوثيق، وهذا مما عُلم من منهجه، والله أعلم.

2- وأما قول العيني في عمدة القاري 11/118: «وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي هريرة يرفعه»، فهذا مما خالف فيه الأئمة المتقدمين من تضعيف الهجري. انظر أقوالهم في: تهذيب التهذيب 1/143.

3- وأما تحسين السيوطي له في الجامع الصغير برقم (5365)، فالمتتبع لأحكام السيوطي على الجامع الصغير، ويقارنها بأحكام الألباني على الجامع، يصل إلى نتيجة نهائية وهي: السيوطي متساهل في التحسين.

الخلاصة: أن الحديث ضعيف الإسناد، لا يحتج به، ولا يجب ذكره إلا مع التنبيه على ضعفه.

وأما الحديث باللفظ الأول: فمع ضعف إسناده، منكر المتن، والله أعلم وأحكم.

حديث صيام الصرد لعاشوراء

أولاً: روايات الحديث:

روي هذا الحديث مرفوعاً وموقوفاً:

أما المرفوع:

فرواه الخطيب في تاريخ بغداد 6/295، وابن نجيح كما في الإصابة في تمييز الصحابة 7/316 وغيرهما: من طريق إسماعيل بن إسحاق الرقي، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: سمعت أبي، يحدث عن أبيه، عن جده، عن أبي غليظ ابن أمية بن خلف الجمحي قال: رآني رسول الله  وعلى يدي صرد فقال: «هذا أول طير صام عاشوراء».

تنبيه:

جاء في تاريخ بغداد 6/295:

1- عليط، مهملة العين والطاء، بدل غليظ.

2- عن أبي أمية عنبسة بن أمية بن خلف الجمحي، بدل أبي غليظ.

وأما الموقوف:

فرواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص405، برقم (581) قال: حدثنا سفيان ابن وكيع قال: حدثنا ابن مهدي، عن قرة بن خالد، عن موسى بن أبي غليظ، عن أبي هريرة  قال: «الصرد أول طير صام».

ثانياً: أقوال أهل العلم في الحديث:

1- جاء في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة 1/415: «قال الحاكم: هو من الأحاديث التي وضعتها قتلة الحسين، وهو حديث باطل، رواته مجهولون».

2- قال ابن الجوزي في الموضوعات 2/117: «هذا حديث لا يصح، ولا يعرف في الصحابة عنبسة ولا أبو غليظ ولا أبو عليط، قال البخاري: عبد الله بن معاوية منكر الحديث، وقال العقيلي: يحدث بمناكير لا أصل لها، ومما يَرد هذا أن الطير لا يوصف بصوم».

3- قال الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال 6/460: «هذا حديث منكر».

4- قال ابن رجب في لطائف المعارف ص134: «إسناده غريب».

5- وأورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 1/97.

ثالثاً: دراسة الحديث:

الحديث المرفوع فيه:

1- إسماعيل بن إسحاق بن الحصين بن بنت معمر بن سليمان أبو محمد الرقي.

ذكره الخطيب في تاريخ بغداد 6/295، وسكت عنه.

2- أما عبد الله بن معاوية فهو: ابن موسى بن أبي غليظ واسمه نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجحمي أبو جعفر البصري ثقة معمَّر. انظر: تقريب التهذيب ص324، وتهذيب التهذيب 6/34.

تنبيه: ورد في تهذيب التهذيب 6/34: «موسى بن أبي غليظ بن نشيط»، والصواب: «موسى بن أبي غليظ واسمه نشيط» كما في تهذيب الكمال 16/161.

فقول ابن الجوزي في الموضوعات 2/117: «قال البخاري: عبد الله بن معاوية منكر الحديث، وقال العقيلي: يحدث بمناكير لا أصل لها»، وَهمٌ لائح وخطأ واضح، ففي:

• تعجيل المنفعة لابن حجر 1/235: «عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي الزبيري أبو معاوية البصري ……… قال البخاري: منكر الحديث».

• وفي ضعفاء العقيلي 2/307: «عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير الزبيري يحدث عن هشام بن عروة بمناكير لا أصل لها».

3- سمعت أبي: هو معاوية بن موسى بن أبي غليظ واسمه نشيط بن مسعود بن أمية ابن خلف الجحمي: جاء في لسان الميزان 6/59: «معاوية بن موسى بن أبي عليط سبط بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي فيه جهالة كأبيه».

4- يحدث عن أبيه: هو موسى بن أبي غليظ واسمه نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجحمي: جاء في لسان الميزان 6/133: «موسى بن نشيط ونشيط يكنى أبا عليط وأشار إلى لينه المؤلف في ترجمة ولده معاوية بن موسى». كذا جاء عليط، بالعين المهملة.

5- عن جده: هو أبو غليظ نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجحمي: قال ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة: 6/427: «نشيد بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي أبو غليظ مشهور بكنيته مختلف في اسمه». كذا جاء بالدال بدل الطاء.

6- عن أبي غليظ ابن أمية بن خلف الجمحي: قال ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة 7/316: «أبو غليظ بمعجمة بن أمية بن خلف الجمحي، وقيل هو ابن مسعود بن أمية بن خلف، واخت لف في اسم أبي غليظ فقيل عنبسة، وقيل نشيط».

ومن الملاحظ أن في الإسناد مجاهيل، خلا عبد الله بن معاوية فهو ثقة، وأما الصحابي إن ثبتت الصحبة فجهالة عينه لا تضر، والله أعلم.

والحديث الموقوف معلول بما يأتي:

1- سفيان بن وكيع: بن وكيع بن الجراح أبو محمد الرؤاسي الكوفي كان صدوقاً، إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل فسقط حديثه. انظر: تقريب التهذيب ص245.

2- موسى بن أبي غليظ: مجهول، سبقت ترجمته، وجاء في التاريخ الكبير للبخاري 7/292: «موسى بن غليظ» وسكت عنه.

الخلاصة:

الحديث المرفوع ذكره غير واحد في الموضوعات، والصواب، والله أعلم، أنه حديث ضعيف الإسناد، وفي متنه نكارة.

أما الموقوف: فإسناده ضعيف؛ لما تقدم.

وفي الختام:

فهذا جهد المقل، مع بذل الوَسع في تحري الصواب، فما كان من إصابة فمن الله عز وجل، وما كان غير ذلك، فمن نفسي المقصرة ووساوسها.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك.

تمت، والحمد لله لمن آلاءه جلت، وصلى الله وسلم على مَن به دائرة الرسل ختمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى