خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر

توقير العلماء – خطب الجمعة

الحمد لله رفع العلماء وبين فضلهم وحث على توقيرهم والإقتداءِ بهم أحمده سبحانه وأشكره على جزيل فضله وإنعامه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وصام وطاف بالبيت الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1)

أيها الناس لقد خلق الله الخلق لعبادته وأرسل الرسل ليدعو الناس لتوحيده وطاعته ووعد من وحده الجنة وتوعد من أشرك به النار ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) (2)

فأرسل الرسل لدعوة الناس للتوحيد , وزكى العلماء وعدلهم وفضلهم على غيرهم لأنهم هم نقلة الدين عن خير المرسلين ينقله جيل عن جيل ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ ) (3) , فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفاً وفضلاً وجلاء ونبلاً‏ , وأمر بتوقير العلماء وبين فضلهم و إتباعهم و قد نوَّه الله تعالى في كتابه ” وأوجب على المؤمنين طاعتهم ما أطاعوه ورسوله، فقال جل شأنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (4) وقال الله تعالى ‏( يرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ‏) (5)‏

قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام‏.‏ وقال عز وجل ‏( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (6)الزمر آية 9 وقال تعالى ‏( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ‏) (7)  وقال تعالى ‏(قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ )‏ (8 )

وقال عز وجل ‏(‏ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ‏) (9)‏ بين أن عظم قدر الآخرة يعلم بالعلم‏.‏ وقال تعالى ‏( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ) (10) رد حكمه في الوقائع إلى استنباطهم وألحق رتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله‏.‏ وقيل في قوله تعالى ‏( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ – يعني العلم – وَرِيشاً– يعني اليقين – وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ‏) (11)يعني الحياء‏.‏  وقال رسول الله (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) وقال(العلماء ورثة الأنبياء ‏)‏ ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة‏.‏(12)  وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ (إن من إجلال اللَّه تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) (13) حديث حسن رواه أبو داود

إخوة العقيدة العلماء هم ورثة الأنبياء هم طائفة مباركة، وعُصبة راشدة، وكوكبة منيرة، ونجوم سائرة، ومصابيح مضيئة، وأعمدة ثابتة، هم العلماء، الذين قال عنهم خير البشر : « إنَّ العلماءَ هُمْ وَرَثَةُ الأنبياءِ». وهذه شهادة عظيمة، وبشارة كريمة، ومنزلة شريفة،لأهل العلم والفضل. ليست لكل أحد.(14) 

أيها الأحبة قال علي رضي الله عنه‏ في فضل العلماء :‏ العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه وقال رضي الله عنه نظماً‏:‏ ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرىء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حياً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياء وقال أبو الأسود‏:‏ ليس شيء أعز من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ خير سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه وسئل ابن المبارك‏:‏ من الناس فقال‏:‏ العلماء‏.‏ قيل‏:‏ فمن الملوك قال‏:‏ الزهاد‏.‏ وقال الحسن رحمه الله‏:‏ يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء‏. وقال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم فإن أحداً لم يولد عالماً وإنما العلم بالتعلم‏.‏ وقال الأحنف رحمه الله‏:‏ كاد العلماء أن يكونوا أرباباً وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره‏.‏ وقال عمر رضي الله عنه‏:‏ موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت عالم بصير بحلال الله وحرامه‏.‏ وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر‏.‏ و قال بعضهم‏:‏ العلماء سرج الأزمنة كل واحد مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره‏.‏

وقال الحسن رحمه الله‏:‏ لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم‏:‏ أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية‏

أيها الموحدون هذا ابن عباس رضي الله عنهما لا يجهل شرفه ونسبه ، إذ هو ابن عم رسول الله ، كان يأخذ بركاب زيد بن ثابت الخزرجي إذا أراد أن يركب ليضع رجله في الركاب ، قيل له : تمسك بركابه وأنت ابن عم رسول الله ؟ فقال : إنا هكذا نصنع بالعلماء . وروي عنه رضي الله عنه أنه قال : (( من السنة توقير العلماء )) . وهذا ابن عباس نفسه كما روى الخطيب في الفقيه والمتفقه ( 1 / 51 ) قال : ” من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومن آذى رسول الله فقد آذى الله عز وجل ” وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن الجزاء لمن آذاه ما هو فقال تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ,قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ( 379 – 380 ) : (( فمن أضل سبيلا ممن اتبع هواه ، واستفرغ في ذم العلماء بالباطل قواه ، ولم يرقب فيهم إلاً ولا ذمة ، ولم يرع له محلاً ولا حرمة ، ومن أعظم جهلاً ممن فرغ نفسه للطعن والوقيعة في الأكابر والأعيان من علماء الشريعة !! ولو أنعم فيما قاله تفكراً لعلم أنه أتى امراً مستنكراً ، ولو كان بأحكام الشريعة خبيراً لتيقن أنه ارتكب حوباً كبيراً ، وكفاه تركاً للحق أو اجتنابا ، عده ما ذكره من البهتان في حقه احتسابا ، فما أسعده أن سلم مما ذكره رأسا برأس وانفلت منه كفافا بغير بأس ، وأنى له بالسلامة وقد خرج من حد الإستقامة )) . وقال أبو منصور الثعالبي رحمه الله في كتاب الفرائد والقلائد ) لا يستخف بالعلم وأهله إلا رفيع جاهل أو وضيع خامل ( .وقال الحسيني في نشر طي التعريف ( ص 60 ) : (( وذكر الإمام أبو القاسم الرافعي رحمه الله ، وتبعه النووي والأصبحي وغيرهم رضي الله تعالى عنهم : أن الوقيعة في العلماء محرمة أشد تحريم ، وألحقوها بالكبائر التي ترد بها الشهادات وتسقط بها الولايات ، وهذا ما لم يقصد بذلك استهزاء ، فإن قصد الاستهزاء بالعلم أو بالعلماء أو بالشريعة العظمى أو بشيء من أحكام الدين فقد كفر بالله رب العالمين ، وصار مرتداً تجري عليه أحكام المرتدين بارك الله لي ولكم في القآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول …..

الحمد لله حمد كثير طيبا مباركا فيه …….

أيها المؤمنون قد يتبادر للذهن أن المراد بالعلماء هم كل من علم علماً من العلوم الطبعية والتجريبية، وهذا ليس بصحيح، يقول ابن حبان : العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا، هم الذين يعلمون علم النبي دون غيره من سائر العلوم، ألا تراه يقول : ”العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء“ لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا سنته، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياءفالمراد بالعلم في الآيات المسطورة، والأحاديث المذكورة، علم الدِّين والشرع المبين، وهو علم الكتاب العزيز والسنة المطهرة، لا ثالث لهما. وإنما كان العلم الممتدح صاحبه هو الموروث عن الأنبياء؛ لأن علمهم وما جاءوا به عن الله لا يمكن أن يدرك بالعقل ولا يكتسب، وإنما هو وحي أوحاه الله إليهم بواسطة الملك، أو كلام يكلم به رسوله منه إليه بغير واسطة، كما كلم موسى، وهذا متفق عليه بين جميع أهل الملل المقرين بالنبوة والمصدقين بالرسل.

كتبه /

د/ سعد بن عبدالله السبر

6/10/1430
تابعونا فى قسم خطب الجمعة

____________________________
(1) سورة آل عمران آية 102
(2)المائدة آية 72
(3) آل عمران آية 18
(4) النساء آية 59
(5)‏المجادلة آية11
(6)الزمر آية 9
(7) فاطر آية28
(8 )الإسراء آية96
(9)القصص آية80‏
(10)النساء آية 83
(11)الأعراف آية26
(12)إحياء علوم الدين
(13) حديث حسن رواه أبو داود
(14) مجلة الجندي المسلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى