خطب الشيخ سعد السبر
خطبة العيد (1430 هـ) – خطب الجمعة

خطبة العيد (1430 هـ)
الحمد لله بَعثَ السَّعادَة في قُلوبِ خَلقِه، وبسَطَ إلى العِبادِ خزائنَ رزقِه، أقْبَلَت سَحَائبَ فَضْلِه، وَتتَابَعَت أَنوارُ رَحْمَته.
الله أكبرُ الله أكبرُ الله أكبرُ، الله أكبرُ الله أكبرُ الله أكبرُ.
الله أكبرُ عددَ ما هلَّ هلال وأنورْ, الله أكبرُ عددَ ما تأمَّل مُتَأمِّل في الكَونِ وَفكَّر, الله أكبرُ عددَ ما حجَّ حَاجُّ وكَبَّر، الله أكبرُ كُلَّما صَامَ صَائمٌ وأفْطَر، الله أكبرُ الله أكبر الله أكبرُ، لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمْد.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحْده لا شريكَ له، تَنَزَّهَت عن الشَّبيه والظَّهِير ذَاتُه، وَجلَّت عن المَثِيل والنَّظير صِفَاتُه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى/١١].
وَأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدَهُ ورسُولَه، بَشيرُ الهُدَى، ونذيرُ الورَى, صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه مصابيح الدُّجَى.
الله أكبرُ الله أكبرُ الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمد.
أما بعد …
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فهي البريد إلى دار السعادة، وهي الوريد لكمال العبادة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران/١٠٢]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر/١٨].
أيها المسلمون …
اعلَمُوا أنَّ يَومَكُم هذا يومٌ عظيم وعيدٌ كرَيم، يومٌ تبسَّمت لكم فيه الدِّنيا، أرضُها وسَمَاؤهَا شمسُها وضِيَاؤهَا، في هذا اليومَ الذي تَوَّج الله به شهرَ الصِّيام، هَذا يَومُ يُفْطِر المسلِمُون، هَذا يومٌ يفرُحُ المؤمنون بقدُومِه، هذا يومٌ تُكَبِّرون الله فيه على ما هدَاكم ولعلكم تشكرون،قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس/٥٨].
الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمْد.
يا أتباع السنة …
يومكم يوم الفرح والبِشْر والسعادة، يومٌ كُلُّه فَرَحٌ وسُرُور، فَرَحٌ بالصِّيام والقِيَام، فَرَحٌ بطاعَةِ العَلَّام، فرحٌ بالتوْبَة والأوْبَة وتركُ طَرِيقِ المعصِيَة والحَوبَة، فَرحٌ بِجَمْعِ الشَّمْل وَكشْفِ اللِّئَام، فَرحٌ بِظُهور الحقِّ وَكشفِ البَاطِل، فَرحٌ بِفَضحِ الأعدَاء وَانكِشَافُ مُخَطَّطَاتِهِم، أَرَاد الخوارج أَن يَجْعَلُوا أَبنَائِنا خَنَاجِرَ في صُدُورِنا فَفَضَحَهُم اللهُ وأخْرَجَ حِقدَهُم وَكيدَهُم ومَكْرَهُم، وَأَرَادوا قَلْبَ فَرَحِنَا تَرَحَا، وَجَعل عِيدِنا جُرْحَا، وَلَكن يأبى الله إلا أن يُتِمَّ نُورَه، وَيَجمعَ شَملَنا، وَيُكبِت خِزي «تنظيم القَاعِدة»، ويُمزِّق أوراقَها، وَيهتُكَ سِترَهَا، وَيأبَى اللهُ إلا أنْ نفرَحُ بالعِيدِ وَإتمامِ الصِّيام وَمُنَاجَاة الدِّيان.
أيها الموحدون …
احذروا من الشركَ بالله؛ فإنه محبطٌ للأعمال، والجنةُ حرامٌ على صاحِبِه، قال الله تعالى :ﱡإِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة/٧٢]، وهو نوعان : أكبٌر وأصغرٌ.
الأكبرُ : أن تُشركَ مع اللهِ في عبادَتِه غيَره، ويَدخُلُ فيه : الذبحُ، والنذرُ لغيِر اللهِ، والاستعاذةُ بغير اللهِ، والتبركُ بشجرٍ أو حجرٍ، ومنه : صرفُ الدعاءِ لغير اللهِ فيما لا يقدر عليه إلا الله، قال تعالى وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس/١٠٦].
والأصغر : فالحلف بغير الله، والرياء، وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، قال الله تعالى :وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الزمر/٦٥].
وإياكم وعقوق الوالدين؛ فإنه من كبائر الذنوب، قال تعالى :وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ [الإسراء/٢٣]، وفي «الصحيحين»( 1) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟» ثَلَاثًا، قَالُوا : «بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ : «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، …..» الحديث.
الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلا الله، الله أكبرُ، الله أكبرُ ولله الحمْد.
أيها المؤمنون …
الصلاةَ، الصلاة، فمن حَفِظَها فقد حَفِظَ دينَه، ومَنْ ضيَّعها فهو لما سِواها أضيعُ، قال تعالى : فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة/١١]، وعليكم بصلاة الجماعة والمحافظةِ عليها في المساجد، فمَنْ صلاها بلا عذرٍ في بيته فإنها لا تُقبل منه، فإن من موجباتِ : قَبُولِها صلاتُها في جماعةٍ.
وأدوا زكاة أموالِكم طيبةً بها نُفُوسُكم للفقير والمسكين، لا لقوي مكتسبٍ، ولا من تلزمُك نفقُته، لا تدفع بها المذمةَ، ولا تجلب بها الصداقةَ، وما اشتكى فقيٌر إلا بقدر ما قَصر غنيٌ.
الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمْد.
معاشر الموحدين …
أوصيكم بالحفاظ على مهمتكم العظمى، ووظيفتكم الكبرى، الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، مهمةِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، المُهمةِ التي لها أُخرجتم، والتي هي مصدرُ خيريتِكم واستمرارُ عِزِكم وأمرُكم قائمًا منصورًا ـ بإذن الله، قال تعالى : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[آل عمران/١١٠]، وكونوا عباد الله إخوانًا، وعلى الحق أعوانًا، لا ظلم ولا عدوان.
________________________
(1 ) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب «ما قيل في شهادة الزور»، رقم (2654)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب «بيان الكبائر وأكبرها»، رقم (87).
إخوة العقيدة …
اعلموا أن من أسس هذا الدين : وجوب لزوم الجماعة، والسمع لولاة الأمر والطاعة في غير معصية لله تعالى، ففي حديث حذيفة رضي الله عنه في حديث الفتن في «الصحيحين»(1 ) قال : «فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟»، قَالَ : «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ : «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟»، قَالَ : «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، وإن الجماعة هم من وافق الحق ولو كان واحدًا، وفي «صحيح مسلم»( 2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمْد.
يا حماة التوحيد …
غضوا أبصاركم عن محارم الله؛ فإن النظرة سهم من سهام إبليس، ولا تقربوا الزنا؛ فإن فيه خصالًا قبيحة ماحقة ومهلكة في الدنيا والآخرة، وقد نهى الله تعالى من الاقتراب منه فكيف بالوقوع فيه ؟!، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء/٣٢].
وحذار حذار من جماع الإثم ومفتاح الشر، الخمر؛ فإنها تذهب العقل والغيرة على الدين والمحارم، وتورث الخزي والندم والفضيحة.
وإياكم ثم إياكم والربا أكلًا وتعاملًا؛ فإنه حرام بنص كلام ربنا، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ [البقرة/٢٧٥].
واجتنبوا الغيبة والنميمة وقول الزور والعمل به، وإياكم والوقوع في أعراض الناس؛ فإن القصاص سيكون يوم القيامة من الحسنات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم
_____________________________