مقالات وخطب الدكتور محمد المصري

رواتب العاملين في المؤسسات الخيرية العائلية & للدكتور محمد المصري

اهتم الشارع الحكيم بأمر المستحقين للزكاة ، ولم يجعل مهمة توزيعها وفق ما يراه الناس ويقدّرونه بل حدد أصناف المستحقين وحصرهم في ثمانية أصناف نص عليهم كتاب الله عزوجل بقوله سبحانه {التوبة:60}، وعلى المسلم الغني أن لا يدفع مال الزكاة إلا لمن علم أو غلب على ظنه استحقاقه له من خلال كونه أحد هذه المصارف وعليه مع انتشار الطمع والجشع أن يستخدم ما يمكنه من الطرائق التي يتعرف بها إلى من يطلب مال الزكاة ، وذلك بالاستعانة بأهل الدين والأمانة الذين يعرفون أحوال الناس كأئمة المساجد وطلبة العلم والمعلمين ، والمرشدين الطلابيين والباحثين الاجتماعيين ويمكن للغني أن يستأجر أمثال هؤلاء العالمين ولكن هل يعطهم من الأوقاف أومن الوصايا الخيرية أمن من الزكاة ؟ للحكم على ذلك لا بد من التعرف على معنى العاملين عليها المنصوص عليهم في الآية .

فالمرادُ بــ(العاملين عليها) الذين يبعثهم الإمام أو نائبه ، أو إلى مستحقيها من الأصناف الثمانية ، ويُلحق بهم كل من باشر جمع الصدقات بأمر محق ، ويدخل في هذا المؤسسات والإدارات ومرافقها المنتدبة لتحصيل الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على مستحقيها من هذه الأصناف، وفق الضوابط الشرعية .

ويراعى في إعطائهم الضوابط التالية :-

1-أن يكون العمل الذي يقوم به الموظف مما يحتاج إليه في جمع الزكاة وتوزيعها سواء كان من الأعمال المباشرة للجمع والتوزيع أو من الأعمال المساعدة في ذلك كالذي يقوم به المحاسبون والباحثون الشرعيون والإداريون ونحوهم ممن يحتاج إليه في قيام بمهمة العاملين في الزكاة ولو كثر .

2-أن يراعى في ذلك إعطاء العامل بقدر عمله ، وبقدر نفعه للمؤسسة الخيرية وللمستحقين فلا يزاد في نصيب العامل فيترتب على ذلك النقص على باقي المستحقين .

3-أن يتم تعيين العامل بأمر ولي الأمر ، أو نائبه وهذا مذهب عامة أهل العلم من الحنفية كما في بدائع الصنائع للكسائي( 4/151 ) والمالكية كما في الشرح الكبير للدردير( 2/103-104 ) والشافعية كما في روضة الطالبين للنووي (ص 315) والحنابلة كما في الكافي لابن قدامة( ص 204 ) والظاهرية كما في المحلى لابن حزم ( 32/149 ) .

وألحق بهم مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي كل من باشر جمع الصدقات بأمر محق كالعاملين بشؤون الزكاة في المؤسسات والإدارات الخيرية وبيوت الزكاة المنتدبون لتحصيل الزكاة من الأغنياء ، وتوزيعها على مستحقيها وفق الضوابط الشرعية

أ‌) وليس من العاملين عليها أولئك العاملين في جمعية خيرية أو تعاونية أو اجتماعية ممن لا يؤدون خدمة مباشرة في جبات الزكاة وتوزيعها .

ب‌) وليس من العاملين عليها وكلاء أصحاب الأموال سواء كانوا أفراد أم أعضاء في مؤسسة خيرية خاصة بفرد أو جماعة ، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ــ رحمه الله ــ في مجموع الفتاوى ( 14/285 ) ” إذا وكلت وكيلاً في توزيع الزكاة فلا مانع من أن تعطيه أجرة من غير الزكاة ، لأن الواجب عليك توزيعها على الفقراء بنفسك أو بوكيل الثقة ، وعليك أجرته من مالك لا من الزكاة ” .

وقال سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الشرح الممتع ( 6/142 ) ” أما من وكّله صاحب المال لإخراج زكاته فهذا الوكيل يكون نائباً عن صاحب المال وليس من العاملين عليها ” .

وقال في الفتاوى 18/369 ” ليس الوكيل من العاملين عليها ، ولا يستحق منها لأن هذا وكيل خاص لشخص خاص ، وهذا هو السر والله أعلم في التعبير القرآني حيث قال سبحانه ؛ لأن على في الآية تفيد نوعاً من الولاية ، لذا فإن تأدية الزكاة أو التأكيد من استحقاق بعض الناس لها نيابة عن شخص معين أو جماعة معينة ليس من العمالة في شيء ” والله أعلم .

وقد نص مجمع الفقه الإسلامي على أنه ” إذا أقام فرد أو مجموعة من الأفراد مؤسسة خيرية لا سلطان لجهة عليهم ولا رقيب ولا حسيب فإن هذا العمل تطوعي صرف ، ولا يجوز لهؤلاء الأخذ من الزكاة باعتبارهم عاملين عليها ــ ولا يجوز لصاحب المال أو القائم على المؤسسة احتساب رواتبهم من الزكاة من مصرف العاملين عليها ــ ؛ لأن التكييف الشرعي لعمل هؤلاء أنهم وكلاء عن أصحاب المال فيجب على صاحب المال أن يدفع إليهم أجرتهم “.

ويجب التنبيه هنا إلى أن هذا الضابط ما لم يكن هذا العامل مستحقاً للزكاة من جهة أخرى مثل كونه فقيراً ، أو مسكيناً ، أو غارماً فلا بأس من إعطائه من الزكاة لكن ليس من أجل كونه عاملاً على الزكاة وإنما لكونه من أحد المصارف الأخرى .

ويستطيع العاملون في إدارة أموال الزكاة أن يستخدموا أنماطاً عصرية متقدمة في البحث والتحري عن الذين يدّعون أنهم يستحقون الزكاة للاطمئنان إلى صدقهم واستحقاقهم لهذا المال ، كما أن عليهم التنسيق مع المؤسسات الخيرية الأخرى الأهلية منها والرسمية ، وكذلك مع أئمة المساجد الموثوقين وطلاب العلم والمعلمين و المرشدين الطلابيين وغيرهم ممن يطّلعون على حاجات الناس من خلال مواقعهم المؤثرة .

كما يجب التنبيه إلى أن هذا التدقيق والتحري والضبط في التوزيع لا يجوز بأي حال أن يؤدي إلى تأخير إيصال أموال الزكاة إلى مستحقيها وذلك بأن يبدأ قبل حولان الحول بحيث أنه إذا حل أجل الزكاة تم تسليمها لأهلها ؛ لأن ملكيتها انتقلت من

صاحب المال إلى هؤلاء المستحقين وإبقاؤها عنده واستثمارها لمصلحته هو من الغضب المحرم لها،كما لا يجوز أن تتحول إلى وسوسة تمنع المستحقين لها من الحصول على ما فرضه الله لهم أو وضع شروط وضوابط نابعة من الأهواء أو التجارب الشخصية بل عليهم الوقوف على أقوال أهل التفسير والفقهاء في معنى مصارف الزكاة وليعلم هؤلاء أنهم موقوفون بين يدي الله وسيسألهم أهل الزكاة عن الظلم الحاصل لهم نتيجة لمنعهم من حقهم نتيجة تقصير منهم أو غلو في وضع ضوابط ما أنزل الله بها من سلطان .

كتبه الفقير إلى عفو ربه

د . محمد جاد بن أحمد صالح المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى