مقالات وخطب الدكتور محمد المصري

رثـاء للشيخ / عبد الله بن عبدالرحمن بن غديان & للدكتور محمد المصري

إن لعلماء الشريعة منزلة عالية عند الله عز وجل حيث قرن شهادتهم بشهادته سبحانه بقوله {آل عمران:18} ورفع مكانتهم فقال: {المجادلة:11} وعلماء الشريعة هم النجوم يهتدى بهم كما قال نبينا  :” إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة ، وهم ورثة الأنبياء ” كما قال النبي  :” وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر “، وقال  :” فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ” ،وجعل إجلالهم وتكريمهم من إجلال الله كما قال  :” إن من إجلال الله تعالى إكرام المرء ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه” ومن هنا كان فقد العالم مصيبة وثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار وبهذا فسر ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قول المولى سبحانه {الرعد:41} قال بموت علمائها وفقهائها .

وإن فقد العالم ليس فقداً لشخصه ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة وإن فقد العلماء في مثل هذا الزمان لتتضاعف به المصائب ؛ لأن العلماء الربانيين أصبحوا قلة بين الناس وكثر في المقابل المجادلون المُكسَونَ بثياب العلم وذلك مصداق قول النبي  :” إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ” ، قال ابن عباس رضي الله عنهما :” لا يزال عالم يموت وأثرٌ للحق يندرس حتى يكثر أهل الجهل ويرفع العلم ” كيف وقد أخبر النبي  أن من علامات الساعة أن يرفع العلم .

ولقد نزل بالأمة خطب جلل وأمر عظيم حيث فجع المسلمون بنبأ وفات أحد علمائهم فضيلة شيخنا العلامة عبدالله بن عبد الرحمن بن غديان الذي أمضى ستة وثمانون سنة في مدارسة العلم حيث ولد رحمه الله عام 1345هـ في مدينة الزلفي حيث تلقى فيها مبادئ القراءة والكتابة ثم سافر إلى العاصمة الرياض حيث كبار العلماء فواصل دراسته النظامية والعلمية فيها فكان من أوائل خريجي كلية الشريعة عام 1376هـ وعيّن بعدها رئيساً لمحكمة الخبر واشتغل في الإفتاء منذ عام 1486هـ وانضم إلى ركب هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة منذ عام 1391هـ وظل كذلك إلى أن لقي ربه ، وإن سألت عن شيوخه فهم كبار علماء الأمة كصاحبي السماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ عبد العزيز بن باز وأصحاب الفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، والشيخ عبد الله بن حميد ، والشيخ عبد الرزاق العفيفي ، والشيخ عبدالرحمن الإفريقي وغيرهم من كبار العلماء ـــ رحمهم الله جميعاً ـــ كما أنه تخرج على يديه عدد من كبار العلماء حيث أشرف وناقش عدداً من رسائل الماجستير والدكتوراه وكان يحاضر في المعهد العالي للقضاء إضافة إلى دروسه في الجوامع والمساجد طوال العام وقد امتاز رحمه الله بعلم أصول الفقه والقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة ، وابتعد في فتاواه عن الشاذ من أقوال الفقهاء وكان واقعياً يرفض الفتوى في غير التخصص ، وفي المسائل المفترضة ، وكان متواضع الهيئة يمشي حافياً ومنتعلاً عالماً عابداً مسخراً نفسه للعلم النافع ، ولقد كان رحمه الله مربياً مؤدباً ناصحاً مرجعا ًفي الفتوى لم يغره المنصب ، ولا الشهرة محباً لولاة الأمر وداعماً لتوجهاتهم الخيرة في الدفاع عن الدين والوطن ، فاللهم إن عبدك عبد الله بن غديان في ذمتك وحبل جوارك اللهم فاجعل قبره روضة من رياض الجنة وأفسح له فيه واجزه عن نصرة التوحيد وأهله وعن نشره للعلم النافع خيراً ما جزيت عبداً صالحاً عالماً عن تعليمه وإصلاحه .

اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وأدخله الجنة بفضلك يا كريم يا منان .

إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فقدك يا شيخنا الفضَّال لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) ، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها ، اللهم أحسن عزاء أهله وطلابه فيه خيراً وعزاؤنا موصول لولاة الأمور شركاء العلماء في سرائهم وضرائهم جزاهم الله خيراً .

كتبه الفقير إلى عفو ربه

د. محمد جاد بن أحمد صالح المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى