الحمد لله جعلنا لنا مما خلق ظلال ومن الجبال أكنانا ، و جعل لنا سرابيل تقينا الحر وسرابيل تقينا بأسنا ، نحمده ونشكره فقد أتم علينا نعمه وتابع علينا فضله ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في العبادة والخلق والرزق والأسماء والصفات (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (1)، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله بشير الورى وخير من اتقى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى وسلم تسليما كثرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي جبال وبأس تقيكم الذنوب والمعاصي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَﱠ) (2)
أيها المسلمون : لقد مرّ بالناس برد شديد وهلع مديد ، عانوا شدة البرد أيام وساعات ، وتأثروا واشتكوا ، وهم قد أعدوا العدة واتخذوا الأهبة ، ولكن لاعاصم من أمر الله إلا من رحم ، لم يصبروا على أيامٍ ونسوا خلواً في زمهرير جهنم ، و،نسوا أن هذا البرد نفس من أنفاس جهنم في الشتاء أذن الله لها بالنفس في الشتاء به عن النبي (3)
أيها المؤمنون تفكروا في مجيء الشتاء و الصيف فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم حتى أيقنت قلوبهم و حتى كأنما عبدوا الله عن رؤيته ما رأى العارفون شيئا من الدنيا إلا تذكروا به ما وعد الله به من جنسه في الآخرة من كل خير و عافية
و أما الأزمان فشدة الحر و البرد يذكر بما في جهنم من الحر و الزمهرير و قد دل هذا الحديث الصحيح على : أن ذلك من تنفس النار في ذلك الوقت قال الحسن : كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم و كل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم ،ومعلوم أن امتن الله على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام و أوبارها و أشعارها ما فيه دفء لهم، قال الله تعالى : ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) (4)،و قال الله تعالى : ( وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ ) (5)،(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (6) كل هذه النعم لتعيننا على الطاعة ولنتذكر بالبرد زمهرير جهنم وعلينا أن نعمل ليوم التلاقي يوم هم بارزون لايخفى على الله منهم شيء ، ونعلم أن أفضل العمل والطاعة في شدة الشتاء ،ففي صحيح مسلم و في و في رواية : و الدرجات : و ذكر الحديث خرجه الإمام أحمد و الترمذي و في بعض الروايات : و السبرة : شدة البرد إسباغ الوضوء في شدة البرد من أعلى خصال الإيمان روى ابن سعد بإسناده : أن عمر رضي الله عنه وصى ابنه عند موته فقال له : يا بني عليك بخصال الإيمان قال : و ما هي ؟ قال : الصوم في شدة الحر أيام الصيف و قتل الأعداء بالسيف و الصبر على المصيبة و إسباغ الوضوء في اليوم الشاتي و تعجيل الصلاة في يوم الغيم و ترك ردغة الخبال فقال : ما ردغة الخبال ؟ قال : شرب الخمر
أيها الموحدون : لنتذكر زمهرير جهنم وعذابها لكي نصبر على برد الشتاء ونسارع في الطاعة والبناء عن أبى موسى رضى الله عنه : قال رسول الله ” إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن فى دموعهم جرت وإنهم ليبكون الدم ” (7)ولنعلم أن من فضائل الشتاء : أنه يذكر بزمهرير جهنم و يوجب الإستعاذة منها قام زبيد اليامي ذات ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردا شديدا كاد أن يجمد من شدة برده فذكر الزمهرير و يده في المطهرة فلم يخرجها حتى أصبح فجاءته جاريته و هو على تلك الحال فقالت : ما شأنك يا سيدي لم لا تصلي الليلة كما كنت تصلي و أنت قاعد هنا على هذه الحالة ؟ فقال : ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير فوالله ما شعرت بشدة برده حتى وقفت علي فانطوي لا تحدثي بهذا أحدا ما دمت حيا فما علم بذلك أحد حتى مات رحمه الله ،و عن كعب قال : إن في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم و عن عبد الملك بن عمير قال بلغني : أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها فأخرجوا فقتلهم البرد و الزمهرير حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوه من البرد و قد قال الله عز و جل : ( لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) (8)،و قال الله تعالى : (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) (9) قال ابن عباس : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده و قال مجاهد : هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده و قيل : إن الغساق : البارد المنتن أجارنا الله تعالى من جهنم بفضله و كرمه يا من تتلى عليه أوصاف جهنم و يشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به و يتألم و هو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم ألك صبر على سعيرها و زمهريرها ؟ قل و تكلم ما كان صلاحك يرجى و الله أعلم . عن مجاهد قال : إن في النار لزمهريرا يغلون فيه فيهربون منها إلى ذلك الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض (10)، و عن قابوس بن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر ، وعن ابن عباس أن كعبا قال في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم (11) ، و روي عن ابن مسعود قال : الزمهرير لون من العذاب
وعن عكرمة قال : هو البرد الشديد ، و ذكر ابن وهب ، عن عبد الله بن عمر ، قال الغساق : القيح الغلظ ، لو أن قطرة منه تهراق في المغرب أنتنت أهل المشرق و لو أنها تهراق في المشرق أنتنت أهل المغرب و قيل : الغساق الذي لا يستطيع من شدة برده ، و هو الزمهرير .
و قال كعب : الغساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة فستنفع ، و يؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة فيسقط جلده و لحمه عن العظام ، فيجر لحمه في كعبيه كما يجر الرجل ثوبه . و قوله جزاء وفاقاً أي وافق أعمالهم الخبيثة (12)
يا أيها العبد المذال، ما هذا البرد المذال. وما هذا الخد الأصعر، والطرف الأصور. يا هذا سوّ خدك وأجفانك، فلعل القصار يدق أكفانك.
داء الآدمي الهوى، وعلاجه الحسم، متى استعجل الداء، فالكي أنفع، وما يفيدك من جار السوء التوقي. المال ماء كلما زاد غرق. قنعت العنكبوت بزاوية البيت فسبق الحريص إليها وهو الذباب، فصار قوتا لها، وصوت بك نذير العبر: رب ساع لقاعد.ويحك: طلق كواذب آمالك، لتكون وارث مالك. أعظم المغبونين حسرة من نفع كده لغيره. أفضل أعمال البخيل الصدقة لأنه يحارب شيطانين أصغرهما إبليس، وأعظمهما النفس وجنودها، ومن يقوى بأسد الحرص، وكلب الهوى، وخنزير الشره؟؟!.
امدد يديك بالصدقة فإن لم تطق فاكففهما عن الظلم، أطلق لسانك بالذكر، فإن لم تطق فاحبسه عن الغيبة.كم يقف السائل سائل الدمع على باب الذل لديك فتقول: هذا هذاء.
كلام الجائع عند الشبعان كله هذيان. ويحك: إن الدقة صداق الجنة، فدع جمع الأكياس (مَن ذا الَّذي يُقرِضُ اللهَ قَرضاً حَسناً).