سيف الله في أرضه – خطب الجمعة
شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
9/6/1432
الحمد لله أحب الصادقين وجعلهم في عليين أحمد سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله قائد الصادقين وإمام الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فإنه من اتقاه وفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده واجعلوا التقوى نصب عينيكم وجلاء قلوبكم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(1) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2)
أيها الناس إن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر وفطرهم على استقباح أضدادها (3) ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (4) وفي الحديث عن أبي هريرة قال قال النبي
ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (5)
أيها المؤمنون إن الله فطر الناس على حب الصدق ورّغبهم فيه وجعل منزلته عالية وطريقة الأقوم من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه من صال به لم ترد صولته ومن نطق به علت على الخصوم كلمته فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين ومن مساكنهم (6)
أيها الموحدون إن الله أمر أهل الإيمان : أن يكونوا مع الصادقين وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (7) وقال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ ) (8) فهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقا ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا ولهم مرتبة المعية مع الله فإن الله مع الصادقين ولهم منزلة القرب منه إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين وأخبر تعالى أن من صدقه فهو خير له فقال ( فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) (9)وقسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق فقال ( لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) (10)والإيمان أساسه الصدق والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر ، وأخبر سبحانه أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (11) (12) , وقد أمر الله تعالى رسوله : أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ) (13)وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين فقال ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ) (14)وقال (إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ.) (15) فهذه خمسة أشياء : مدخل الصدق ومخرج الصدق ولسان الصدق وقدم الصدق ومقعد الصدق وحقيقة الصدق في هذه الأشياء : هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل (16)
أيها الإخوة : إن نبيكم خير الصادقين وأفضل النبيين وسيد المرسلين حثّ على صدق وما كذب حتى في جاهليته؛ لذا لقبوه بالأمين وجعلوه حاكما بينهم في بناء الكعبة وجاءت أحادثيه في الصدق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
قَالَ ( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا )(17) ,و عن الحسن بن علي ” سمعت رسول الله
يقول : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة ” (18)
و عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ :قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ
أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ (نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لَاََََ) (19)
أيها الأحبة : أما الصدق وحقيقته فقيل : موافقة السر النطق وقيل : استواء السر والعلانية يعني أن الكاذب علانيته خير من سريرته كالمنافق الذي ظاهره خير من باطنه
وقيل : الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة وقيل : كلمة الحق عند من تخافه وترجوه (20)وقال الجنيد : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب وقيل : ثلاث لا تخطىء الصادق : الحلاوة والملاحة والهيبة (21) .
إخوة الدين : إن آية الإيمان أن يُؤثر الصدق حيث يضر على الكذب (22)
قال عمر رضي الله عنه عليك بالصدق وإن قتلك (23), وقال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَََََ ََََ (24) وقال الفضيل : ما تزين الناس بشيء أفضل من الصدق والله عز و جل يسأل الصادقين عن صدقهم منهم عيسى بن مريم عليه السلام كيف بالكذابين المساكين ثم بكى وقال أتدرون في أي يوم يسأل الله عز و جل عيسى بن مريم عليه السلام يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين آدم فمن دونه ثم قال وكم من قبيح تكشفه القيامة غد (25) ,وقال ذو النون من تدرع بدرع الصدق قوي على مجاهدة عسكر الباطل واعتدل خوفه ورجاؤه وحسن في الآخرة مثواه (26) , وقال أحمد من أحب أن يكون الله معه في جميع الإحوال فليلزم الصدق فإن الله مع الصادقين (27) , وعن سهل رحمه الله تعالى قال لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره. وعن ذي النون قال الصدق سيف الله ما وضع على شيء إلا قطعه (28)
——————————————————————————–
(1) سورة البقرة ، آية : 102
( 2) سورة التوبة، آية : 119
(3) مدارج السالكين – (1 / 230)
( 4) سورة الروم / الآية 30
(5 ) رواه البخاري ومسلم
( 6) مدارج السالكين لابن القيم (2 / 268)
( 7) سورة التوبة، آية : 119
( 8) سورة النساء : 69
(9 ) سورة محمد : 21
(10 ) سورة الأحزاب : 24
( 11) سورة الشعراء، آية :89 .
( 12) مدارج السالكين – (2 / 269)
( 13) سورة الإسراء : 80
(14 ) سورة يونس : 2
(15 ) سورة القمر ، آية :55 .
(16 ) مدارج السالكين – (2 / 270)
( 17) صحيح البخاري كِتَاب الْأَدَبِ 6094 (15 / 314)
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وَمَا يُنْهَى عَنْ الْكَذِبِ
(18 ) أخرجه الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء
(19 ) موطأ مالك – (5 / 1441)
( 20) مدارج السالكين – (2 / 274)
( 21) مدارج السالكين – (2 / 277)
(22 ) الدر المنثور – (5 / 434)
(23 ) الدر المنثور – (7 / 22)
(24 ) موطأ مالك – (5 / 1441) بَاب مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
(25 ) حلية الأولياء – (8 / 108)
( 26) حلية الأولياء – (9 / 380)
( 27) حلية الأولياء – (10 / 42)
(28 ) بستان العارفين – (1 / 7)


