خطب الشيخ سعد السبر

شموس التقوى والإيمان

خطبة اليوم الجمعة 26/11/1433

لتحميل الخطبة اضغط

هنا

الحمد لله العالم بعدد الرمل والنمل والقطر، ومصرف الوقت والزمن والدهر، الخبير بخافي السر وسامع الجهر، القدير على ما يشاء بالعز والقهر، أقرب إلى العبد من العنق إلى النحر {هو الذي يسيركم في البر والبحر} ()،القديم فلا إله سواه، الكريم في منحه وعطاياه، القاهر لمن خالفه وعصاه، خلق آدم بيده وسواه واستخرج ذريته كالذر. أنعم فلا فضل لغيره، وقضى بنفع العبد وضيره وأمضى القدر بشره وخيره، فحث على الشكر والصبر أحاط علما بالأشياء وحواها،وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له شهادة عالم بربوبيته عارف بوحدانيته ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه لوحيه وختم به أنبياءه وجعله حجة على جميع خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فهي شعار الحج ودليل الحجيج وسبيل سيد المرسلين ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ()

أيها المؤمنون : الأعمار تطول في الطاعة – نسأل الله أن يجعلنا ممن طال عمره وحسنُ عمله – وأيام الخير تتوالى ،ومواسم الطاعات تتابع ، ونفحات الفضل تحل بدارنا و قريبا منا ، ( والفجر وليال عشر ) ()، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عزّ وجلّ من أيام عشر ذي الحجة، إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه يعدل قيام ليلة القدر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع منهما بشيء) ، وفي لفظٍ آخر (إلا من عقر جواده وأُهْرِقَ دمه ) ، وفي لفظ (فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) ()وفي رواية للبيهقي قال (ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى ) . قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من محرم ()

أيها الموحدون : معلوم أن الله إذا أحب عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بأفضل الأعمال ليثيبه أفضل الثواب وإذا مقت عبداً استعمله بأسوأ الأعمال في أفاضل الأوقات ليضاعف له السيّئات بانتقاص حرمات الشعائر وانتهاك المحرمات في الحرمات، ويقال من علامات التوفيق ثلاث: دخول أعمال البرّ عليك من غير قصد لها، وصرف المعاصي عنك مع الطلب لها، وفتح باب اللجا والافتقار إلى الله عزّ وجلّ في الشدة والرخاء، () ونحن نعيش النفحات الربانية في هذه العشر فنبينا أرشدنا لها وأمرنا بالتعرض لفضلها ومسكها ، قال صلى الله عليه وسلم «اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمه الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عبادة، وسلوا الله تعالى أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم» ()

فعسى من أحيا الأرض الميتة بالقطر أن يحي القلوب الميتة بالذكر والطاعة عسى نفحة من نفحات رحمته تهب فمن أصابته سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا. ستهب على القلوب في عشر ذي الحجة نفحة من نفحات نسيم القرب سعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح وصلت البشارة للمنقطعين بالوصل وللمذنبين بالعفو والمستوجبين النار بالعتق لما أقبل التائبون خائفين انعزل سلطان الهوى وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل فلم يبق للعاصي عذر يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي يا شموس التقوى والإيمان اطلعي يا صحائف الطائعين ارتفعي يا قلوب الصالحين اخشعي.. توبوا إلى الله فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات. فرحم الله أقوامًا بادروا الأوقات، وتداركوا الهفوات، عيونهم مشغولة بالدمع، وألسنتهم مسجونة بالصمت عن فضول الكلمات، وأكفهم مكفوفة بالخوف عن تناول الشهوات، وأقدامهم مقيدة بقيود المحاسبات، فتيقظوا رحمكم الله للحاقهم من سنة الغفلات، واعملوا مثل أعمالهم تناولوا الدرجات، فسبحان من فضل هذه الأمة وفتح لها على يدي نبيها نبي الرحمة أبواب الفضائل الجمة فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون إلا وقد جعل الله عملا يقاومه أو يفضل عليه فتتساوى الأمة كلها في القدرة عليه.

أيها المؤمنون : أيامٌ فاضلاتٌ بالخير عامراتٌ ، فافعلوا الخير فيها ،فأين المشمرون ، وأين المسابقون المسارعون ،وأين القانتون الساجدون القائمون يخشون ربهم ويخافون عذاب الآخرة؟؟ أين المفردون بالذكر ؟؟ وأين الصائمون في العشر وأين المكبرون المسبحون الحامدون؟ أين المنفقون ؟ ما أكثرهم في أمة محمد !! ما أكثرهم بيننا فهلا سارعنا وسابقناهم وقدمنا لأنفسنا ليوم التلاق ، أيام عشرِ ذي الحجة هي أفضل أيام الدنيا وخيرها نهارها أفضل من نهار العشر الأواخر في رمضان ، فيها الأيام المعلومات أيام الحج ويوم عرفة أعظم أيام الدنيا وأفضلها يوم عرفة يوم الدعاء ويوم فضيلة الدعاء ، فجدوا إلى الحج وتنبهوا فإن من لم يحج الفريضة وهو قادر فقد يموت يهوديا أو نصرانيا إذا لم يحج !!

قال عمر بن الخطاب: «ليمت يهوديا أو نصرانيا – يقولها ثلاث مرات -: رجل مات ولم يحج، وجد لذلك سعة وخليت سبيله» . ورواه سعيد بن منصور بلفظ: «لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج؛ فيضربوا عليهم الجزية (ما هم بمسلمين) » ()،وعليكم بالأضحية تقربوا وضحوا سنة أبيكم إبراهيم قال صلى الله عليه وسلم ((من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا))() ، وأمسكوا عن الأخذ من بشرتكم وشعركم وأظفاركم عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم , قال: ” إذا دخل العشر , وأراد أحدكم أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحى ” رواه مسلم. وفى رواية له: ” ولا من بشرته ” ()

كتبه سعد بن عبدالله السبر

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله بالرياض

المشرف العام على شبكة السبر

WWW.ALSABER.NET

الخميس 25/11/1433



——————————————————————————–

() سورة يونس، آية :22.

() سورة آل عمران ، آية:102.

() سورة الفجر ، آية: 1-2

()أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة دون قوله قيل ولا الجهاد الخ وعند البخاري من حديث ابن عباس ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذا العشر قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء والبيهقي والطبراني .

()لطائف المعارف لابن رجب (ص: 35) .

()قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (1 / 115)

()رواه الطبراني في ” الكبير ” (رقم – 720) وحسنه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4 / 512) . قال في تنبيه القارئ (1 / 96) :أخرجه ابن أبي الدنيا في (الفرج) والحكيم، هب، حل، عن، أنس (هب) عن أبي هريرة.ضعيف الجامع (1: 289) الأحاديث الضعيفة (2798) رقم (1001) .

أقول: هكذا ضعفه هنا، وقد قواه في موضع آخر فساقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الرابع (ص 511، 512) رقم (1890) .

()رواه البيهقي (4: 334) وأبو نعيم في الحلية (9: 252) .قال في البدر المنير (6 / 38-39) : قال الحافظ أبو محمد المنذري: إسناده حسن، شاهد لحديث أبي أمامة. ورواه أحمد في «كتاب الإيمان» : عن وكيع، عن (سفيان) عن ليث، عن ابن سابط قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من مات ولم يحج ولم يمنعه من ذلك مرض حابس، أو سلطان ظالم، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال شاء (إن شاء) يهوديا، وإن شاء نصرانيا» . وهذا مرسل، ورواه في «مسنده» متصلا (فيه من لا أعرف حاله) – بلفظ: «من كان ذا يسار فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا (و) إن شاء نصرانيا» . (و) (من رواية سعيد بن منصور في «سننه» بلفظ: «لقد هممت أن أبعث رجالا … » إلى آخره، تقدم) . واعلم أن ابن الجوزي ذكر هذا الحديث في «تحقيقه» من حديث أبي عروبة الحراني، نا المغيرة بن عبد الرحمن، نا يزيد بن هارون، نا شريك، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ البيهقي، ثم قال: قال يحيى بن معين: المغيرة ليس بشيء. وليث قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي

()أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وابن أبي شيبة وأبويعلى والدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5 / 72) .

()أخرجه مسلم (6/83) والنسائى (2/202) وابن ماجه (3149) والبيهقى (9/266) وأحمد (6/289)

قال الماوردي في الحاوي الكبير (15 / 73) :(مسألة:)

قال الشافعي: ” وأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا اتباعا واختيارا بدلالة السنة وروت عائشة أنها كانت تفتل قلائد هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم يقلدها هو بيده ثم يبعث بها فلم يحرم عليه شيء أحله الله له حتى نحر الهدي (قال الشافعي) رحمه الله والأضحية سنة تطوع لا نحب تركها وإذ كانت غير فرض “.

قال الماوردي: وأصل هذا ما رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا “.

ورواه الترمذي، قال أحمد بن الحكم البصري حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن ابن المسيب، عن أم سلمة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره ” قال: هو حديث حسن.

واختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث على ثلاثة مذاهب:

أحدها: – وهو مذهب مالك التاج والإكليل لمختصر خليل (4 / 372) و مذهب الشافعي – والرواية الثانية عند الحنابلة الإنصاف للمرداوي (4 / 109) أنه محمول على الاستحباب دون الإيجاب، وأن من السنة لمن أراد أن يضحي أن يمتنع في عشر ذي الحجة من أخذ شعره وبشره، فإن أخذ كره له ولم يحرم عليه. وهو قول سعيد بن المسيب.

والمذهب الثاني: هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أنه محمول على الوجوب وأخذه لشعره وبشره حرام عليه، لظاهر الحديث وتشبيها بالمحرم.

والمذهب الثالث: – وهو قول أبي حنيفة ومالك – ليس بسنة ولا يكره أخذ شعره وبشره احتجاجا بأنه محل، فلم يكره له أخذ شعره وبشره كغير المضحي، ولأن من لم يحرم عليه الطيب واللباس لم يحرم عليه حلق الشعر كالمحل.

والدليل على أحمد وإسحاق: إنه مسنون وليس بواجب ما رواه الشافعي عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيدي ثم قلدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيء أحله الله له حتى نحر الهدي، فكان هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وضحاياه، لأنه كان بالمدينة، وأنفذها مع أبي بكر سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئا كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم، ويدل على ذلك ما قدمناه من القياسين، واستدلال أبي حنيفة علينا وهما في استدلال أبي حنيفة بهما مرفوعان بالنص، ووجب استعمال الخبرين، فنحمل الأمر به على السنة والاستحباب دون الإيجاب، بدليل الخبر الآخر، فلا يكون واحد منهما مطرحا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى