عبد الله بن سعد السبر

هذا حلال وهذا حرام && للشيخ عبدالله السبر

الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان مالم يعلم،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمد عبدهُ ورسولهُ النبيُ الأكرمُ، -المخصوصُ بجوامع الكلم وبدائعِ الحكم وودائعِ العلم والحلمِ والكرمِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-() أما بعد:

أيها المؤمنون اتقوا الله عز وجل وراقبوه في سركم وعلانيتكم فإن سبحانه يعلم السر وأخفى ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ، ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ، ()

عباد الله :

بين العبد وربه عبادات سرية وجهرية , ومحرمات جعلها الله ابتلاء واختبار وتكفير ورفعة للدرجات , و لمعرفة ما يجب وما يسن و ما يحرم , لكي يعبد الناس ربهم على بينة من الله برهان مبين أنزل الله الكتاب وأرسل الرسل لتبليغ أوامر الله ونواهيه( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) () , فبلغ الرسل رسالة ربهم وأدوا أمانتهم ونصحوا أممهم , وورث هذا العلم بالحلال والحرام ،والعلماء أخذوا تركة رسل الله ليكن دعاة إلى الحق وهداة للبشرية ووقاية من الغواية والضلالة , فكان في ذلك خير سلف لخير خلف, وجاءت الآيات في تحذيرهم من القول والابتداع في الدين بغير دليل ولا برهان فقال سبحانه وتعالى ) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( (),وجاءت السنة النبوية محذرة من مغبة القول على الله بغير علم ، وأنه ضلال ، وإضلال ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”()0

أيها المسلمون: من الأدلة القاطعة في تحريم القول على الله بغير علم مارواه أبو داوود بسنده عن عطاء عن جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب شك موسى على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده “()0

أيها المؤمنون: أيها العقلاء إن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيءٍ إنه حلال وهو لا يدري عن حكم الله فيه أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري أن الله حرمه أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه أو يقول عن الشيء إنه ليس بواجب وهو لا يدري عن حكم الله فيه إن هذا لجنايةٌ كبيرة وسوء أدبٍ مع الله عز وجل وتقدمٌ بين يدي الله ورسوله كيف تعلم أيها الإنسان العاقل فضلاً عن الإنسان المؤمن أن الأمر لله وأن الحكم إليه ثم تتقدم بين يديه ثم تقدم بين يديه؟ فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم أنه من دينه وشريعته أيها المسلمون لا تتهاونوا بالأمر لقد قرن الله تعالى القول عليه بلا علم بالشرك به فقال (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ()0

أيها الإخوة: إن مما تساهل فيه الناس في هذه الأزمان القول على الله بغير دليل ولا علم وإنما تشهي وهواء في الأنفس واجتراء على شرع الله فأين هم من النصوص الشرعية وأين هم من وعيد العزيز الحكيم, لقد شبه القرافي المفتي بالترجمان عن مراد الله تعالى ، وجعله ابن القيم بمنزلة الوزير الموقع عن الملك قال : إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ، ولا يجهل قدره ، وهو من أعلى المراتب السنيات ، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات()، ونقل عن النووي قوله : المفتي موقع عن الله تعالى ، ونقل عن ابن المنكدر أنه قال : العالم بين الله وبين خلقه ، فلينظر كيف يدخل بينهم ؟() وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال : أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة ، فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ().

وفيما نقل عن الإمام مالك أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها ، وكان يقول : من أجاب فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار ، وكيف خلاصه ، ثم يجيب ، وعن الأثرم قال : سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول : لا أدري () . قال ابن سيرين رحمه الله: لم يكن أحد أهيب لما لا يعلم من أبي بكر ، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر .وقال ابن مسعود: ].ورحم الله الإمام الشعبي حينما سئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقال له أصحابه: إنا نستحي لك من كثرة ما تسأل فتقول: لا أدري، فقال رحمه الله: لكن ملائكة الرحمن لم يستحيوا إذ سئلوا عما لا علم لهم به فقالوا: { سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)()

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد :

فقد قال ابن القيم : المستفتي لا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه ، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك ، لحديث : ” من قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله ، فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها ” ،والمفتي والقاضي في هذا سواء ، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه ، سواء تردد أو حاك في صدره ، لعلمه بالحال في الباطن ، أو لشكه فيه ، أو لجهله به ، أو لعلمه بجهل المفتي ، أو بمحاباته له في فتواه ، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة ، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها ، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة ، لأجل المفتي يسأل ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة ، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة . ا هـ ().

كتبه

عبدالله بن سعد السبر

4/7/1431

——————————————————————————–

() بين الشرطتين اقتباس من كتاب القواعد ج1/ص3

() سورة آل عمران : آية 102 .

() سورة النساء : آية 1 .

() سورة الأحزاب : آيتا 70 – 71 .

() سورةالنساء : آية 35

() سورة الأعراف : آية 33 .

() صحيح البخاري ج1/ص50

( ) سنن أبي داود ج1/ص93

() انظر موقع الشيخ ابن عثمين

() إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 1 / 10 .

() مقدمة المجموع 1 / 73 تكملة المطيعي وتحقيقه .

( ) تاريخ بغداد : 13/412 ، المدخل إلى السنن الكبرى : 1/433 .

() المجموع شرح المهذب 1 / 40 ، 41 .

( ) سورة النحل، آية :

() إعلام الموقعين 4 / 254

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى