خطب الشيخ سعد السبر

فضل عشر ذي الحجة – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه

كتبه د/  سعد بن عبدالله السبر
29/11/1429

إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله

الْحَمْدُ لله الْوَاحِدِ الأحَد ، الْفَردُ الصَّمَد ، تَتخاذَلُ الجَبَابِرةُ أمَامَهْ ، وتُقْهَرُ الأكَاسِرةُ عِندَ مَقَامِهْ ، لَهُ الحَمْدُ فِي الأوْلَى وَالآخِرَة ، ولَهُ الشُّكرُ عَلَى النِّعَمِ الزَّاخِرَة ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لاشَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَفِي رُبُوبِيَّتِهِ وَفِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، تَنزَّهَ عَنِ النِّدِّ وَعَنِ الشِّبِيهِ ، وَعَنِ الْمَثِيلِ وَعَنِ النَّظِيرِ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى الله عَلَيهِ َوَعلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بّعْدُ : فّأُوصِيكُمْ أَيَّهَا النَّاسُ وَنَفْسِي بِتَقَوَى اللهِ ، فَهِيَ الدَّوَاءُ لِكُلِّ دَاءِ ، وَهِيَ الْمُصَبِّرُ عِنْدَ الْبَلاءِ ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(1)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوْا رّبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءَ وَاتَّقُوْا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُوْنَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَا ) .(2)

أيُّهَا الْمُؤمِنُوْنَ : استهلَّتْ عَلَينَا عَشْرُ مُبَارَكَةٌ طَالمِا تَسَابَقَ الصَّالِحُونَ عَلَى تَنَاوُلِ فَضْلِهَا وَعَلَى اسْتِغْلاَلِ أَوْقَاتِهَا ، وَعِمَارَتِِهَا بِالطّاعَة ، وَلِفَضْلِ هَذِهِ الأيَّّامِ الْعَشْرِ ، وَرَدَت أَعْمَالِ مَسَنونَة بِين لحَظَات هَذَه الأيَّام ، فَخَيرُ أَيَّامِ السَّنَة هِي عَشَرُ ذِي الحِجَّةِ ، قال الله تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) (3) ، وذهب جمهور العلماء على أنَّ الأيَّام المعلومات هي عشر ذي الحجة ، ومنهم ابن عمر وابن عباس ، وأقسم الله بها تعظيما لها وتبيينا لفضلها , وَرَوَى الإِمَامُ أَحَمَدُ رَحِمَهُ اللهُ عَنَ ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِ قَالَ : ( مَامِنْ أّيَّامٍ أَعَظَمُ وّلا أَحَبُّ إِلى اللهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذَهِ الأيَّامِ الْعَشَر فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وّالتَّحْمِيد )، قال الحافظ في فتح الباري : والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ، و هي الصلاة والصيام و الصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره ” أ.هـ

فلا غرو ولا جرم أن يحرص السلف الصالح على اغتنامها ، والعمل فيها ، فقد كان سعيدُ بن جبير- رحمه الله – (إذا دخلت العشرُ اجتهدَ اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدر عليه) .

وروي عنه أنه قال: (لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر) . *كناية عن القراءة والقيام.

وإن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد ، يَقْدُرُها حقَّ قدرها الصالحون وإن واجب المسلم حينها استشعارُ هذه النعمة ، واغتنام هذه الفرصة ، وذلك بأن يخصّ هذا العشر بمزيد عناية ، وأن يجاهد نفسه بالطاعة ،

أيها الأحبة خير مايفعل في هذه الأيام بعد الحج ، هو صيامها من حديث هُنَيدَة بنِ خالدٍ عن امرأته قالت: حدثتني بعضُ أزواج النبي : أن النبي كان يصومُ عاشوراءَ وتسعاً من ذي الحجة وثلاثةَ أيام من كل شهر …” رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني . وقال النووي في صيامها أنها مستحبة استحبابا شديدا .

ومن الأعمال التي يسن فعلها أيضا ، التحميد والتهليل والتكبير ، ولذا قال البخاري – رحمه الله – :” وكان عمرُ يكبرُ في قبته بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرونَ ويكبرُ أهلُ الأسواقِ حتى ترتج منى تكبيراً , وكان ابنُ عمرَ يكبرُ بمنى تلك الأيام وخلفَ الصلواتِ وعلى فراشه وفي فسطَاطِه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعها ) ، وعن ميمون بن مهران قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها.

وللتكبير صيغتان : وهما التكبير المطلق ، والتكببر المقيد ، فالمقيد هو تكبير مقيد بوقت ، وهو أدبار الصلوات ، ويبدأ وقته من فجر يوم عرفة ، لغير الحاج إلى آخر يوم من أيام التشريق ، أما المطلق فهو مطلق لكل وقت إلى آخر أيام التشريق ، ولقد كان يخرج ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- إلى السوق ويجهران بالتكبير ، ويكبر الناس وراءهما .

وسرد الأعمال التي وردت ، ليس على سبيل الحصر لهذه الأعمال ، ولكن الأعمال الصالحة عامة تكون أعظم درجة ، وأرقى مرتبة عند الله ، في هذه الأيام العشر .

أيها المؤمنون من فضائل هذه العشر أيضا ، أن فيها يوم عرفة ، الذي ينال من صامه صفقة رابحة ، وتجارة لن تبور فقد ورد عن أبي قتادةَ الأنصاري – رضي الله عنه – أنَ رسولَ الله سُئلَ عن صوم يوم عرفة فقال : ( يكفر السنة الماضية والسنة القابلة ) . رواه مسلم .

وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنوا ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ) رواه مسلم .

وقال عبد الله بن المبارك جئت إلى سفيان الثوري يوم عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تذرفان فقلت: من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ فالتفت إليَّ وقال: الذي يظن أن الله لايغفر له.

فهذا الشتاء قد حلّ وهاهي الأجواء قد طابت فهذه والله الغنيمة الباردة التي تناقل خبرها الصالحون وأحيى ليلها القانتون ، وصام نهارها الوجلون ، فهل آن للنفس أن تنزجر عن مهاوي الردى ، وعن مسالك الهوى . بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له جل شأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .

أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون : وأدّوا ماكلفتم به ، واعسفوا نفوسكم على معالي الأمور، ومن الأعمال التي تشرع التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وهي سنة مؤكدة في أصح قولي العلماء فينبغي على المسلم المستطيع ألا يتهاون فيها ، ويحيد عنها ، لقول أَنَسٍ رضي الله عنه : ” ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ” متفق عليه .

فليحرص المسلم على هذه العبادة لأن فيها امتثال لأمر الله جل وعلا بذبح القربان على اسمه وحده لا شريك له ، وإحياء سنة أبينا إبراهيم عليه السلام واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وفيها التوسعة على الأهل والعيال والفقراء والمساكين يوم العيد وفيها من الحكم العظيمة التي عن فضلها ، فلا تتخاذل الهمم إلى مادونها منزلة وقدرا ، فمن يزرع اليوم طيبا ، يحصد غدا طيبا ، ومن يزرع فاسدا ، فلايلومن إلا نفسه ، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ).(4)

أيها المسلمون : وهناك تنبيه مهم وهو أنه : إذا دخلَ عشرُ ذي الحجة فيحرمُ على من أرادَ أن يضحي أن يأخذَ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً حتى يضحي يوم العيد ، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذ قبل النية .

وذلك لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) رواه مسلم.

ومن الواجب للمسلم على أخيه المسلم الدعاء له في ظهر الغيب فلا تنسوا أخوانكم المسلمين من الدعاء وهذه المواسم هي أحد المواسم التي يرجى فيها قبول الدعوة .

_____________________________-

(1)سورة ال عمران آية102

(2) سورة النساء :1

(3) سورة الحج 28

(4) الانبياء :47

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى