حتى الشوكة يشاكها – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
23/12/1433
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد لله، خلق فسوى، وقدر فهدى ، وأضحك وأبكى، وأسعد وأشقى، وأمات وأحيى ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التترى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (1) ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فبها يتحقق الإيمان وتتم النعمة وتكمل المنة ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (2)
أيها المؤمنون : إن الله سبحانه وتعالى جعل البلاء والمصائب اختبارا وامتحانا وتمحيصا للناس (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)) (3) ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (4) ، وجاء عند البخاري ومسلم قال النبي (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) (5)،وصح عن النبي (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) (6)،و قال النبي
: (مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة) (7) و قال النبي
: (من يرد الله به خيرا يصب منه) (8)،و قال النبي
«ما من مسلم يصيبه أذى من مرض، فما سواه إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها» (9) .
أيها المؤمنون : إذا تقرر هذا فإن مصائب الدنيا كفارات قبل الممات وإذهاب للسيئات قال ابن تيمية رحمه الله:وما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الألم التي هي عذاب، فإن ذلك يكفر الله به خطاياه كما ثبت في الصحيحين عن النبي – – أنه قال: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» .
وفي المسند «لما نزلت هذه الآية: ( مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (10)،قال أبو بكر: يا رسول الله، جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟ ، فقال: يا أبا بكر، ألست تحزن؟ ، ألست يصيبك الأذى؟ ، فإن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب. كما قال تعالى: {طبتم فادخلوها خالدين} (11) » (12).
وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (13) ، قال ابن القيم رحمه الله : هذا تبشير وتحذير إذ أعلمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا وهو أرحم أن يثني العقوبة على عبده بذنب قد عاقبه به في الدنيا كما قال : “من بلي بشيء من هذه القاذورات فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ومن عوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده” (14) (15)
أيها الموحدون : إن المسلم مأمورون إذا ابتلي أن يصبر ويحتسب ، ولايجزع ولا يتسخط قال النبي ( عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له» (16) . قال عمر بن الخطاب: «وجدنا خير عيشنا بالصبر» (17) ، و قال علي رضي الله عنه: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (18)، وقال المحاسبي رحمه الله :علامة الصَّبْر الا تَشْكُو من جَمِيع المصائب الى اُحْدُ من المخلوقين شَيْئا (19).وعن الحسن قال: «والله لتصبرن أو لتهلكن» (20)
أيها الإخوة : إن ما أصابنا في الأسبوع الماضي في انفجار الجسر بشرق الرياض وقبله حادثة بقيق ؛ إنما هو من أقدار الله التي يجب أن نصبر عليها، ونعلم أنها كفاراتٌ لأهلنا ولنا جميعا ، ولنعلم أن الصبر ما ترك للناس عذرا ولا حجة فمن لم يلق الله بما أمره بحلاوة الرضا فليلقه بالصبر وكراهته ومن لم يلق الله ببغض ما نهاه عنه فلا يلقاه بالحب له بل بالصبر فما ترك الصبر للناس حجة .
يا من بين يديه الأهوال والعجائب وقدما نوى له الدهر النوائب أما سهم المصائب كل يوم صائب أحاضر فتحمل من عتبنا كلا بل أنت غائب
أيها المتقون : أيام قلائل ينتهي العام ويدخل عام جيد فلنتعظ ولنعلم بأن أعمارنا إلى انتهاء وآجالنا إلى إنقضاء، وأننا إلى الفناء صائرون ،ولكأس الموت شاربون، فلنعبد ربنا حتى يأتينا اليقين ومع نهاية العام لنكون ربانيين ولا نقل بأن الصحف تُطوى بل إن صحفنا تُطوى بموتنا فكل إنسان له صحيفة واحدة تُطوى بموته، والعام ليس له صحف فتُطوى ، ومن قال لنا مهنأً داعياً كل عام وأنتم بخير أجبناه بقصد الدعاء وأنت بخير وأما أن نبدأ ونقول كل عام وأنت بخير فلا أصل له في الشرع ، ولكن إذا قيل لنا فلنجب بالدعاء .
——————————————————————————–
(1) سورة الشورى ، آية:11.
(2) سورة آل عمران ، آية:102.
(3) سورة البقرة ، آية :155-157.
(4) سورة الأنبياء ، آية:35.
(5) أخرجه البخاري باب ماجاء في كفارة المرض الحديث رقم 5640 صحيح البخاري (7 / 114)، ومسلم (4 / 1992 رقم 48 و 49 و 50) في البر والصلة والأداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك.
كلاهما من طريق عروة بن الزبير، عنها رضي الله عنها. وأخرجه مسلم برقم (51) من طريق عمرة، عنها.
وأخرجه أيضًا برقم (46 و 47) من طريق الأسود قال: دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خَرَّ على طُنب فُسْطاط فكادت عُنُقه أو عينه أن تذهب، فقالت: لا تضحكوا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَا من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كُتبت له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة)) ..
(6) أخرجه البخاري في باب ماجاء في كفارة المرض حديث رقم 5641 صحيح البخاري (7 / 114) ،و أخرجه مسلم في “صحيحه” (4 / 1993 رقم 2573) في البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك.
(7)أخرجه البخاري في باب ماجاء في كفارة المرض حديث رقم 5643 صحيح البخاري (7 / 115) ،و أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم باب مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر … رقم 2810
(8) أخرجه البخاري في باب ماجاء في كفارة المرض حديث رقم 5645 صحيح البخاري (7 / 115)
(9) أخرجه البخاري في باب أشد الناس بلاء الأنبياء حديث رقم 5648 صحيح البخاري (7 / 115) ، وأخرجه مسلم في باب باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها حديث رقم 2571 صحيح مسلم (4 / 1991).
(10)سورة النساء ، آية: 123.
(11) سورة الزمر ، آية: 73.
(12) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3 / 68)
(13) سورة الشورى ، آية: 30.
(14) معناه في الموطأ .
(15)شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 255) .
(16)أخرجه مسلم في باب المؤمن أمره كله خير حديث رقم 2999 (4 / 2295)
(17)الزهد لوكيع (ص: 449).
(18)الزهد لوكيع (ص: 451)
(19)آداب النفوس للمحاسبي (ص: 151) .
(20)الزهد لوكيع (ص: 449).