مقالات الشيخ سلطان البصيري

ليس من الحكمة الرفق دائماً

يعقد كثيرون أن الحكمة هي الرفق دائماً ، سواء في الدعوة أو التربية أو السياسة ، وربما يستدلون بقول الله تعالى : {النحل:125} ، والحقّ أنّ الحكمة ليست الرفق دائماً ، بل إن الحزم قد يكون من الحكمة ، ولذا قال موسى عليه السلام لفرعون بعد أن دعاه بالرفق {الإسراء:102} ، فلو كان الرفق هو الحكمة دائماً لم يقل له موسى عليه السلام ، بل ورد عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنه قال : ( إن الله ليَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن ) ، أي أنّ ذا السطْوة يفصلُ في شأنٍ بسلطانه في حينِ لا يُمكن الفصلُ بالوعظ والقرآن.

وبالإضافة لهذا الفهم للحكمة عند بعض الناس هناك من يُعرّف الحكمة بجزء من أوصافها ، أو كما يقول المناطقة والأصوليون تعريفاً رسمياً ، فيقولون : ( الحكمة هي وضع ما ينبغي كما ينبغي ) ويزيد بعضهم : ( على الوجه الذي ينبغي ) ، والحق أنّ هذا التعريف غير دقيق ، لأن المجنون قد يضع ما ينبغي كما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي ، والتعريف الذي أُراه دقيقاً هو : ( التصرّف وفق مقتضى الشرع والعقل ) ، فكلمة التصرّف تشمل القول والفعل والتصوّر ، وتقييده بوفق مقتضى الشرع والعقل لأن الشرع والعقل ليس بينهما تعارض ، كما هو معتقد أهل السنة والجماعة ، لا كما هو معتقد الأشاعرة الذين يُهملون رأي العقل ، ولا كما هو معتقد المعتزلة الذين يُهملون رأي الشرع ، وبسط مسألة عدم تعارض النقل أي الشرع والعقل موضعه كتب العقيدة.

وعوْداً على بدء أقول : إن الحكمة ليست الرفق دائماً.

وهذه قاعدة أرجو من كل والٍ استحضارها ؛ صغرت ولايته أو كبرت ، لاسيّما من أدرك أنّ الرفق لا يُجدي إن أخذ به في سياسته وتعامله.

وبالله التوفيق.

سلطان بن عثمان البصيري

www.sbusairi.blogspot.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى