إنفلونزا الخنازير و جدال التطعيم للدكتور فارس العنزي

إنفلونزا الخنازير و جدال التطعيم
بقلم د.فارس قليل العنزي
إستشاري وأستاذ علم المناعة المشارك
جامعة الملك سعود
إجتاحت قارات العالم الرعب مع إنتشار موجات فيروس إنفلونزا الخنازير أو كما أطلق عليه العلماء إنفلونزا الإنسان ذو الأصل الخنزيرى (swine- origin influenza virus) أى أصلها الخنازير ، فمع نهاية 25 أكتوبر الماضى سجل المركز الأمريكى للوقاية من الأمراض بمدينة أتلانتا – ولاية جورجيا الأمريكية (CDC) و منظمة الصحة العالمية ما يقارب من 440 ألف حالة إصابة مؤكدة معملياًَ وما يزيد على 5700 وفاه. وثار الجدل عالمياً وليس عربياً فقط وتسأل الجميع سؤال هام هل اللقاح للفيروس الجانح آمن أم غير آمن؟، وهل الفيروس نفسه آمن؟ فإذا كان الفيروس آمن فلا داع إذاًَ للقاح وإذا كان الفيروس غير ذلك وهو الوضع الحقيقى والواقع فلابد من اللقاح.
منذ بضعة أسابيع اقرت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) والهيئة الأوربية للأدوية (EMA) صلاحية خمسة لقاحات الأول لشركة سى إس إل المحدودة (CSL limited) الأسترالية والثانى لشركة نوفارتس (Novartis) السويسرية والثالث لشركة سانوفى باستير (Sanofi Pasteur) الفرنسية والرابع لشركة ميد إميون (MedImmune LLC) الأمريكية و أخيرأ جلاكسوسميث (GlaxoSmith) الإنجليزية. وبعد إطلاعى على مواقع هذه الشركات كلها أقرت أن النتائج الأولية الناتجة عن التجارب السريرية على المرضى أثبتت أن اللقاحات أمنة وأنها أعطت نتائج قوية بعد التطعيم هذا بالإشتراك مع مراكز بحثية فى بلادهم.
ولنا رؤية- إذا رجعنا بالذاكرة إلى نهاية الثمانينات وبداية ظهور فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائى (ج) أنكر الكثير من الغير متخصصين والمتخصصين أيضا هذا الفيروس الذى انهك الكثير من الأكباد فى منطقتنا العربية وأيضاً عالمياً وبعد أن تأكد الفيروس وتأكدت مضاعفاته أجريت الكثير من التجارب على العديد من الادوية منها النافع والضار ، النافع هو العلاج المبنى على أساس علمى سليم والضار الذى يعتمد على الخرافة والشعوذة و تعاد الكرة مرة أخرى و ينكر الكثير فيروس الـH1N1 وبعد مرور شهور وأسابيع من إجتياحه مناطق المكسيك وأمريكا إذا بى أبحث فى المواقع العلمية الموثوقة عالمياً وأبحث فى الدوريات ذات السمعة المرموقة وأجد أنه قد تم نشر المئات من الأبحاث عن الوباء القادم وهذه الأبحاث صادرة عن جامعات ومراكز طبية عالمية كلها تؤكد بأن الفيروس ليس مخلق معملياً وأنه نوع إمتزجت جيناته فى الخنزير من إنفلونزا الطيور والإنسان والخنزير.
جاءت مرحلة اللقاح فمن قائل أن الدواء به سم قاتل فهل هذا صحيح؟ وإلى أى مدى تصح هذه المقوله؟ والحقيقة نقول نعم إن هذه اللقاحات تحوي سما ولكن ليس بقاتل سم بكميات بسيطة جداًًً من المفترض أن لا ينتج عنها مضاعفات عادة. اللقاحات مصنعة من فيروسات مضعفة (attenuated) أى تم إضعافها وتحوى العبوه إما مادة السكوالين (Squalene) أو مادة الثيومرزال (Thiomersal) وهاتان المادتين من المواد التى تحافظ على المكونات من التلوث بالميكروبات وأيضاً تنشط الجهاز المناعى لكى تستحثه ويتفاعل مع الميكروب المضعف منتجا أجساما مضادة ومنشطا الخلايا المناعية للحماية من الفيروس فى حالة دخوله للجسم بعد التطعيم. مادة السكوالين مادة عضوية تستخرج من مصادر طبيعية مثل زيت كبد الحوت والزيتون وعند دخولها إلى الجسم تدخل فى تصنيع بعض الهرمونات وفيتامين- د والكليسترول وتستخدم بالإضافة إلى إستعمالها فى اللقاحات التى تنتجها شركتى نوفارتس و جلاكسوسميث تستخدم أيضاً فى التجميل كمرطب للجلد. المركب الثانى وهو الثيومرزل وهو مركب كيميائى يسمى ساليسايكلات داخل فى تركيبه جزيئات الزئبق يسمى علمياً (sodium ethylmercurithiosalicylate) وهو مركب سام حتى أنه كان يستخدم فى المطهرات و هذا المركب يخاف الناس منه لإحتوائه الزئبق الذى يترسب فى الكلى ويؤثر فى الجهاز العصبى. ولما كانت المادة الأولى مرتبطه بمتلازمة حرب الخليج والمركب الثانى مرتبط بعلاقته بمرض التوحد والحساسية- ولم يثبت هذا بالدليل القطعى ونفته كثير من الهيئات مثل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية. ومع ذلك إهتمت هذه الهيئة وحاولت بأن تكون اللقاحات خالية منهما وخصوصاً الثيومرزل ولهذا فقد أصبحت الحقنة الواحدة التى تعطى لشخص واحد تحوى 1 ميكروجرام منه وهذا رقم ضعيف جداً (حوالى 1 جزء من مليون جزء من الجرام) ، بل أن كثير من الباحثين والهيئات نادوا بأن تخلو تماماً من الثيومرزال و لكن يقال أن هذه النسبة الضيئلة تبقى من مراحل صناعة اللقاح وأنها مهمة لمنع نمو الميكروبات.
وخلال الأسابيع الماضية استقبلت الكثير من الرسائل البريدية و الكترونية بالعربية والإنجليزية تعطي معلومات متضاربة عن لقاح أنفلونزا الخنازير وعليه، فقد قررت قراءتها جميعا وأخذت بالجوانب العلمية وتوصلت إلى عدم صحتها ومخالفتها للواقع للأسباب التالية:
1. وجود مادة (السكوالين) وهي مادة طبيعية (قد قبل بخطورتها) كمادة تزيد من فعالية اللقاح. وقد وجد أن كبار السن يطوروا أجساماً مضادة خلال فترة قصيرة جداً مقارنة بصغار السن.
2. مادة MF59 هي أول مادة زيتية مذابة بالماء وتستخدم في لقاحات الإنسان. أخترعت بواسطة شركة نوفارتس السويسرية وقد أثبتت عدة معامل سلامتها مثل منظمة الصحة العالمية وهيئة الدواء والغذاء الأمريكية، وتستعمل في لقاح الإنفلونزا الموسمية منذ عام 2001م. كما أستخدمت في لقاح أنفلونزا الخنازير وأثبتت التجارب المبدئية سلامتها ولم نتمكن من إلى الآن من متابعة آثارها بعيدة المدى نظراً لحداثة المرض.
3. ولخطورة هذا المرض وحداثته، فقد وافقت هيئة الدواء والغداء الأمريكية بناءا على التجارب الأولية بالموافقة على تسويق (5) لقاحات من (5) شركات عالمية.
4. قررت وزارة الصحة السعودية وبعد إجازة لقاح أنفلونزا الخنازير المنتج من شركة جلاسكوسيمث البريطانية شراء كميات كبيرة من هذا اللقاح (باندمركس).
5. كمية المادة الفاعلة الموجود في اللقاح صغيرة جداً (ميكروليتر/ ميكروجرام) لتؤدي للآثار الجانبية مثل (بعض الأمراض العصبية والتوحد) ولكن أصيح من المؤكد أنه يؤدي إلى تحسس جلدي وارتفاع بسيط في درجة الحرارة.
6. لقد أنتجت الصين لقاح وطني بقدرة (70) مليون شخص في السنة من شركة (سانيوفاك) ولم يتم ملاحظة أي آثار جانبية لهذا اللقاح للآن.
7. أوضحت بعض الرسائل الوارده وجود علاقة بين اللقاح ومتلازمة حرب الخليج، إلا أنه أصبح من مؤكد القول أن هذه المتلازمة تنتقل عن طريق الحشرات.
ولأن هيئة الغذاء والدواء السعودية أجازت لقاح شركة جلاكسوسميث البريطانية فقد توجهت مؤخرا بالسؤال لعدد من الزملاء بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكانت إجاباتهم على النحو التالية:
الأستاذ الدكتور/ دوقلاس قرين ـ جامعة ممفس ـ ولاية تنيسي ـ بأمريكا.
اللقاح آمن جداً.
الدكتور/ محمد لبيب ـ جامعة جنوب ولاية كالورلانيا ـ ولاية كالورلانيا بأمريكا
هناك عدة تحفظات على سلامة اللقاح نتيجة للوقت القصير لتحضير اللقاح ومع ذلك فإن حسنات أخذ اللقاح تفوق سيئاته وقد تم فعلاً توزيع اللقاح بالجامعة.
الأستاذ الدكتور/ مو أوقرومن ـ جامعة شيكاغو – ولاية إلينوي بأمريكا
لحد علمي لا يوجد مستند علمي ينفي عدم سلامة اللقاح، وأوكد لكم بأن رئيس الأمراض المعدية بالجامعة قد أخذه فعلاً هو وأسرته.
الأستاذ/ ريتشارد ساورز ـ مدير المختبرات الطبية بأرامكو السعودية ـ الظهران
أنا أشعر أن هذا اللقاح آمن أما ما يتعلق بمادة (الثيومرزال) فإنه قد تمت إزالتها من جميع لقاحات الأطفال منذ عام 2001م ( حسب تأكيد مركز السيطرة على الأمراض المعدية بأمريكا) ، ولم ينخفض معدل حدوث التوحد بانخفاض تعاطي اللقاح. كما أشير إلى ندرة حدوث متلازمة مرض عصبي معين فهو يحدث حالة واحدة لكل مليون شخص تعاطى اللقاح.
كما يجب أن أشير إلى أن الفئة المستهدفة هي من 2 ـ 24 سنة والأشخاص الذين لديهم نقص بالمناعة والسكر والحوامل وكبار السن.
الأستاذ الدكتور/ جمال عارف ـ جامعة أنتقرل بالهند
المشكلة بالأدوية واللقاحات الجديدة هي أن الشركات لا تعطي معلومات كافية عن التجارب المبدئية والتجارب التي تمت على حيوانات المعامل وعلى المرضى أيضاًً.وغالباً ما تظهر مشكلة السميه بعد سنتين من تعاطي اللقاح ولحين نشر نتائج تلك الأبحاث من قبل تلك الشركات المصنعة يمكننا التعليق على سلامة هذا اللقاح.
الدكتور/ كريم زقلم ـ مستشفى همرسميث ببريطانيا ـ لندن
لقد تم استخدام هذا اللقاح بشكل واسع في عموم بريطانيا وعلى وجه الخصوص الوظائف الصحية. ولذلك فهو آمن جداً.
دراسات وأبحاث حول اللقاح:
أوضح البيان الأخير لشركة جلاسكوسميث البريطانية الأسبوع الماضي بأنه تم فعلاً تطعيم أكثر من نصف مليون شخص بلقاح أنفلونزا الخنازير (باندمركس) في أوربا وأمريكا. وأظهرت نتيجة تلك الابحاث التي أجريت على أشخاص أعمارهم (18ـ85 سنة) وما زالت مستمرة إلى الآن أثبتت فعالية عالية بعد الجرعة الأولى. وكان يحوي اللقاح 3.75 ميكروجرام من الفيروس. وشملت هذه الدراسة 240 شخص ما بين (18ـ85) سنة وذلك لدارسة حساسيتهم ومناعتهم تجاه هذا اللقاح. وقسمت الدراسة الأشخاص إلى 120 شخص تحت 60 سنة و120 شخص لآخرين فوق 60 سنة وتمت متابعتهم لمدة 21 يوم بعد الجرعة الأولى للقاح. وأوضحت النتائج سلامة اللقاح واستجابة كلا المجموعتين بدون فوارق كبيرة. مع وجود تأثيرات بسيطة كارتفاع درجة الحرارة وآلام بالعضلات وصداع. كما أوضحت النتائج المبدئية للدراسة والتي أجريت على الأطفال من (6 أشهر إلى 36 شهر) وما زالت جارية، أثبتت جميعها بأن اللقاح حفز الجهاز المناعي بعد الجرعة الأولى، وشملت الدراسة (51) طفلاً وتجاوزت نسبة الحماية 98% حسب المعايير الدولية لتراخيص اللقاحات.
اذاً فلا ضير فى الوقت الحالي مع أخذ الحيطة والحذر من الفيروس وأخذ اللقاح وخصوصاً للفئات الأكثر تعرضاً للخطر مثل العاملين في المجال الصحي والحوامل والحجاج وقانا الله و أياكم شر هذا المرض.
وقد تم أعداد دراسة مستفيضة لجميع جوانب الفيروس منذ أكتشافه وصولا للقاحات المتوفره و قدم البحث للنشر بأحدى المجلات العلمية المتخصصه.