مناشط إعلامية للشيخ سعد السبر

نكاح المسيار والمسفار لقاء للشيخ سعد السبر



بعض أصناف زواج المسيار زنى صريح

العدد 2102 | 5 رجب 1428 هـ

الشيخ سعد السبر يسبر أغوار الزواجات المستحدثة ويبين ما قاله أهل العلم فيها:

* الزواج الشرعي هو الزواج المستمر غير المؤقت

* زواج “المسفار” زواج محرَّم

* المرأة لا تملك تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكل غير وليها في تزويجها

* ما حكم زواج الحنبلي بالحنفية والشافعية؟

* فضيلة الشيخ: نود منكم الحديث عن فضل الزواج وأهميته·

* هذا هو زواج المسيار الصحيح الذي أفتى مجمع الفقه الإسلامي بإباحته

* في عصرنا كل صور الزواج بنية الطلاق محرَّمة

لقاء – د· عقيل العقيل:

الزواج شعيرة عظيمة دعا إليها الله عزَّ وجلَّ في كتابه وحث عليها المصطفى في سننه وطبقها واقعاً وخاطب به الشباب قبل غيرهم لشدة احتياجهم إليه وشرع به الأحكام والآداب ما يكفل له الاستمرار والطمأنينة ويحقق ثماره العظيمة·

وعندما نستقرئ واقع الناس نجد أنهم استحدثوا أنماطاً من الزواجات سموها بأسماء ووضعوا لها ضوابط واستساغها الكثيرون· حول هذه الأنماط الزوجية· وللحديث حول هذه الأسماء المستحدثة للزواج التقينا فضيلة الشيخ سعد بن عبدالله السبر إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله بن جارالله بالرياض ·

– الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فالزواج له فضل عظيم ورد في القرآن والسنّة فقال الله عزَّ وجلَّ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) · فالزواج آية من آيات الله سبحانه وتعالى، حيث جعله الله سكناً للنفس وراحة وأمنا لأن النفس البشرية تحتاج لمن تأوي إليه وتفضي إليه ولأن الشريعة وجهت غرائز الإنسان التي أوجدها الله فيه، فجعلت الزواج طريقاً شرعياً لهذه الغريزة· لذا نجد الرجل يفضي للمرأة وتفضي إليه ويرتاحان لبعضهما· ومن عظيم آية الله في الزواج أن جعله يقوم على المودة والمحبة لأن النفس تحب من تأوي إليه· كل هذه مقدمات ومؤسسات اللبنة الأولى للأسرة المسلمة التي هي أساس المجتمع المسلم· وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “معاشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء” متفق عليه· فالنبي يحث الشباب على الزواج ويرغِّب فيه وجعل الزواج مصرفاً للغرائز صحيحاً لا حرمة فيه، وهذا اعتراف من الشريعة بغريزة الإنسان التي خلقها الله فيه، موافقة لفطرة الله التي فطر الناس عليها، فإذاً النكاح مهم جداً للشباب والبنات لتصريف غرائزهم في مصرفها الشرعي الصحيح ولأجل بناء أسرة صالحة وتكوين مجتمع صالح يعبد الله ويوحده ويدعو لله·

* فضيلة الشيخ: في عصرنا أحدث بعض الناس أنواعاً من النكاح سموها زواجاً شرعياً هل هي شرعية أم لا؟

– مع هذا الشيء الجميل من الشريعة الإسلامية التي أعتنت بالشباب والبنات ووجهتهم الوجهة الصحيحة إلا أننا نشاهد الآن أن الناس كل يوم يخترعون أنواعاً جديدة من المسميات للزواج فأقول متسائلاً: هل ما يفعله الناس تشريعاً ؟! لا شك أن الناس ليسوا مشرعين فالمشرع هو الله ورسوله {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ } (13) { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (3) · فالله أكمل دينه ولم يجعله ناقصاً، فمن أحدث فيه شيئاً فهو مكذب لله وعاص لرسوله حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد” إذاً علينا أن نتأمل هذه المسميات والمقصود منها ونزنها بميزان الشرع لنعرف حكمها الشرعي·

فأولاً: زواج المسفار من مسماه يتبين لنا أنه زواج مؤقت محدد بوقت (متعة) وهو محرَّم بالنص والإجماع· قال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد· وأما نكاح المتعة فثبت عنه أنه أحلها عام الفتح وثبت عنه أنه نهى عنها عام الفتح واختلف هل نهى عنها يوم خيبر؟ على قولين والصحيح أن النهي إنما كان عام الفتح وأن النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية وإنما قال علي لابن عباس “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن متعة النساء ونهى عن الحمر الأهلية” محتجاً عليه في المسألتين فظن بعض الرواة أن التقييد بيوم خيبر راجع إلى الفصلين فرواه بالمعنى ثم أفرد بعضهم أحد الفصلين وقيده بيوم خيبر وقد تقدم بيان المسألة في غزاة الفتح·

وظاهر كلام ابن مسعود إباحتها فإن في “الصحيحين” عنه: “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبدالله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (87) · ولكن في الصحيحين: عن علي رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء” وعن سبرة الجهني “إنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء” وذكر الحديث إلى أنه قال: “فلم أخرج حتى حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم” وفي رواية “أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً”· رواهن أحمد ومسلم· وفي لفظ عن سبرة قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها” رواه مسلم· وفي رواية عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة” رواه أحمد وأبو داود·

وهذا التحريم إنما كان بعد الإباحة وإلا لزم منه النسخ مرتين ولم يحتج به على علي ابن عباس رضي الله عنهم ولكن النظر هل هو تحريم بتات أو تحريم مثل تحريم الميتة والدم وتحريم نكاح الأمة فيباح عند الضرورة وخوف العنت؟ هذا هو الذي لحظه ابن عباس وأفتى بحلها للضرورة فلما توسع الناس فيها ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن فتياه ورجع عنها·

والزواج الشرعي هو الزواج المستمر غير المؤقت الذي سماه الله ميثاقاً غليظاً فيكون زواج المسفار زواجاً محرماً وأيضاً يوجد فيه أمور محرمة حتى أن المرأة تعقد لنفسها بلا ولي وهذا مخالف لحديث في السنن الأربعة عنه “لا نكاح إلا بولي”·· وفي السنن عنه من حديث عائشة رضي الله عنها: “أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصابت منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له” قال الترمذي حديث حسن·

وفيها عنه: “لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها” فلا يصلح أن تتولى بنفهسا لا بالآصالة ولا بالنيابة، ففد ورد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في سنن الدارقطني (3/722): “لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها” قال ابن حزم رحمكه الله في المحلى روينا عن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني عبدالرحمن بن جبير بن شيبة أن عكرمة بن خالد أخبره أن الطريق جمع ركباً، فجعلت امرأة ثيب أمرها إلى رجل من القوم غير ولي فانكها رجلاً، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها، وقال رحمه الله ومن طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة· ليس للنساء من العقد شيء، لا نكاح إلا بولي، لا تنكح المرأة نفسها، فإن الزانية تنكح نفسها· ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن ابن عباس قال: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير الأولياء·

قال ابن قدامة في المغني النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تمتلك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت، لم يصح النكاح· روي هذا عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم· وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والحسن، وعمر بن عبدالعزيز، وجابر بن زيد، والنوري، وابن أبي ليلى وابن شبرمة، وابن المبارك، وعبيد الله العنبري، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيدة وروي عن ابن سيرين، والقاسم بن محمد، والحسن بن صالح، وأبي يوسف: لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي” انتهى كلامه رحمه الله·

قلت دل كلام النبي والصحابة والعلماء على حرمة نكاح المرأة بغير ولي وعدم صحته وإن ورد عن الأحناف جوازه لكن قولهم مردود بالأحاديث والآثار الصحيحة حتى أنه ذكر لي أحد الإخوان معرفته لرجل متزوج خمساً في وقت واحد مسفار لأجل ينهي لهن أمور الابتعاث وهذا يدل على حرمته لعدم وجود الولي والشهود ولتعديه النصاب المحدد للرجل من النساء أربع فقد خالف حديث في الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما “أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعاً” وفي طريق أخرى “وفارق سائرهن”·

وأسلم فيروز الديلمي وتحته أختان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “اختر أيتهما شئت”، فتضمن هذا الحكم صحة نكاح الكفار وأنه له أن يختار من شاء من السوابق واللواحق لأنه جعل الخيرة إليه وهذا قول الجمهور، وقال أبو حنيفة إن تزوجهن في عقد واحد فسد نكاح الجميع وإن تزوجهن مترتبات ثبت نكاح الأربع وفسد نكاح من بعدهن ولا تخيير· فيكون خالف الأحاديث وخالف الإجماع في تحريم الزيادة على أربع نساء قال ابن قدامة: “وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات” أجمع أهل العلم على هذا، ولا نعلم أحداً خالفه منهم، إلا شيئاً يحكى عن القاسم بن إبراهيم، أنه أباح تسعاً؛ لقول الله تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } (3) · والواو للجمع؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع· وهذا ليس بشيء؛ لأنه خرق للإجماع، وترك للسنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة؛ حين أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعاً، وفارق سائرهن”· وقال نوفل بن معاوية: “أسلمت وتحتي خمس نسوة، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “فارق واحدة منهن”· رواهما الشافعي، في مسنده· وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع، فالابتداء أولى، فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع، كما قال: { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } (1) · ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة، ولو أراد ذلك لقال: تسعة· ولم يكن للتطويل معنى، ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية· وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخصوص بذلك، ألا ترى أنه جمع بين أربعة عشر·

زواج الحنبلي بالحنفية والشافعية

وهذا اسم مخترع أيضاً وصورته يتزوج البعض وهو حنبلي أو شافعي أو مالكي وهم يعلمون حرمة زواج المرأة، بلا ولي فإذا قيل له لماذا قال هي حنفية!! سبحان الله المسألة ليست مذاهب وانتقاء بل دليل صحيح فإذا صح الحديث فهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله بل معلوم أن تتبع الرخص في المذاهب زندقة، فمن يتزوج بهذه الصورة إذا أراد أن يستمر تجده يجدد العقد ويبحث عن الولي!! فكيف صحح العقد أولاً فلما أراد الاستمرار لم يصححه بل أعاد العقد وهذا دليل تحريم هذه الصورة مع ما ذكر من أدلة تحريم نكاح المتعة والنكاح بلا ولي في مسألة نكاح المسفار·

زواج المسيار

أما زواج المسيار الذي كثر الجدل فيه فهو ينقسم إلى أقسام:

الأول: أن يتم اتفاق شفوي بين المرأة والرجل دون عقد ولا ولي ولا شهود، فهذا زنا صريح وهو محرَّم لعدم وجود الولي والشهود لمخالفة حديث لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأقوال الصحابة وأهل العلم ولعدم وجود ركن النكاح وهو الإيجاب والقبول مجرد ورقة تُكتب بينهما دون وجود إيجاب وقبول مجرد اتفاق فهذا محرّم لا مرية فيه، وجاءني من تزوج بهذه الصورة ويسألني عن صحة الزواج فأخبرته بأنه زنا وليس بزواج وهذا منتشر بكثرة بين الناس·

الثاني: أن يتم الزواج بولي وشاهدي عدل ويكون مقصوداً الزوج أن يمكث معها أياماً دون مبيت أو نفقة مع اعتقاد المرأة أن إسقاط النفقة والمبيت واجب عليها وليسا من حقها، فهذا محرَّم ولا يجوز لأنه يقوم على الغرر والخداع ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم عن الغرر ولأنه مؤقت فيكون متعة ولوجوب النفقة والمبيت على الزوج ومخالف لقوله تعالى: { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (233) · وذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج العدل بين زوجتيه أو زوجاته في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة والسكنى، وهو التسوية بينهن في ذلك، والأصل فيه قول الله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } (3) · عقيب قوله تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } (3) · ندب الله تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة، وإنما يخاف على ترك الواجب، فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب، وإليه أشار في آخر الآية بقوله عزَّ وجلَّ: { ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (3) · أي تجوروا، والجور حرام فكان العدل واجباً ضرورة، ولأن العدل مأمور به قال ابن قدامه قال رحمه الله: “وإذا تزوج بامرأة مثلها يوطأ، فلم تمتعه نفسها، ولا متعة أولياؤها، لزمته النفقة” وجملة ذلك أن المرأة تستحق النفقة على زوجها بشرطين: أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وطؤها، فإن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء، فلا نفقة لها· وبهذا قال الحسن، وبكر بن عبدالله المزني، والنخعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي· وهو المنصوص عن الشافعي·

وقال في موضع أو قيل: لها النفقة· كان مذهباً· وهذا قول الثوري؛ لأن تعذر الوطء لم يكن بفعلها، فلم يمنع وجوب النفقة لها، كالمرض· ولنا، أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع، ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع، فلم تجب نفقتها، كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها، وبهذا يبطل ما ذكروه· ويفارق المريضة، فإن الاستمتاع بها ممكن، وإنما نقص بالمرض، ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها، لا يلزم الزوج نفقتها، فهذه أولى؛ لأن تلك يمكن الزوج قهرها والاستمتاع بها كرهاً، وهذه لا يمكن ذلك فيها بحال·

الشرط الثاني: أن تبدل التمكين التام من نفسها لزوجها، فأما إن منعت نفسها أو منعها أولياؤها، أو تساكنا بعد العقد، فلم تبدل ولم يطلب، فلا نفقة لها، وإن أقاما زمناً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة ودخلت عليه بعد سنتين، ولم ينفق إلا بعد دخوله، ولم يلتزم نفقتها لما مضى· ولأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح، فإذا وجد استحقت، وإذا فقد لم تستحق شيئاً، ولو بذلت تسليماً غير تام، بأن تقول: أسلم إليك نفسي في منزلي دون غيره· أو في الموضع الفلاني دون غيره· لم تستحق شيئاً، إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد؛ لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد، فلم تستحق النفقة، كما لو قال البائع: أسلم إليك السلعة على أن نتركها في موضعها، أو في كان بعينه· وإن شرطت دارها أو بلدها، فسلمت نفسها في ذلك، استحقت النفقة؛ لأنها سلمت التسليم الواجب عليها؛ ولذلك لو سلم السيد زمته المزوجة ليلاً دون النهار، استحقت النفقة، وفارق الحرة، فإنها لو بذلت تسليم نفسها في بعض الزمان، لم تستحق شيئاً؛ لأنها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد·

قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد اتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة والكسوة لقوله تعالى: { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (233) · ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام “ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف” ولقوله لهند “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف” وهذا للأسف منتشر بكثرة بين الناس وتظن المرأة أن ضياع حقها واجب عليها لكي تتمكن من النكاح فتبقى حائرة ضائعة لا تجد نفقة ولا مسكناً·

النوع الثالث: أن يتم الزواج بولي وشاهدي عدل مع علم الزوجة بأن من حقها عدم إسقاط المبيت والنفقة أو أحدهما ويكون مقصود الزوج الاستقرار وبناء أسرة فهذا زواج صحيح وهو الذي أفتى المجمع الفقهي بجوازه وأفتى علماؤنا بجوازه· وأعرف من تزوج بهذه الصورة وفتح بيتاً وأسس أسرة وأنجب أولاداً وفيه مصلحة خصوصاً للمطلقات والأرامل واللاتي لا يجدن من يكفلهن وينفق عليهن لفقر أهلن·

الزواج بنية الطلاق

أما الزواج بنية الطلاق: لقد أفتى بعض السلف بجوازه مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في صورة معينة ولو رأى حال الناس وما هم عليه من هذا الزواج لقال بحرمته رحمه الله: “سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل “ركاض” يسير في البلاد، في كل مدينة شهراً أو شهرين ويعزل عنها، ويخاف أن يقع في المعصية، فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلاد، وإذا سافر طلقها وأعطاها حقها، أو لا؟ وهل يصح النكاح أم لا؟

فأجاب: له أن يتزوج، لكن ينكح نكاحاً مطلقاً لا يشترط فيه توقيتاً بحيث يكون إن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها، وإن نوى طلاقها حتماً عند انقضاء سفره كره في مثل ذلك وفي صحة النكاح نزاع:

1- ولو نوى أنه إذا سافر وأعجبته أمسكها وإلا طلقها: جاز ذلك وأما أن يشترط التوقيت فهذا “نكاح المتعة” الذي اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على تحريمه· وأما إذا نوى الزوج الأجل ولم يظهره للمرأة فهذا فيه نزاع، يرخص فيه أبو حنيفة والشافعي، ويكرهه مالك وأحمد وغيرهما· كما أنه لو نوى التحليل: كان ذلك مما اتفق الصحابة على النهي عنه وجعلوه من نكاح المحلل·

لكن نكاح المحلل شر من نكاح المتعة، فإن نكاح المحلل لم يبح قط، إذ ليس مقصود المحلل أن ينكح، وإنما مقصوده أن يعيدها إلى المطلق قبله فهو يثبت العقد ليزيله· وهذا لا يكون مشروعاً بحال، بخلاف المستمتع فإن له غرضاً في الاستمتاع، لكن التأجيل يخل بمقصود النكاح من المودة والرحمة والسكن، ويجعل الزوجة بمنزلة المستأجرة، فلهذا كانت النية في نكاح المتعة أخف من النية في نكاح المحلل، وهو يتردد بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه” أ·هـ· مجموع الفتاوى (23/701-801)·

قلت: أما في عصرنا فكل صور الزواج بنية الطلاق محرمة لأنها تقوم على الغش والخداع أو تقوم على تحديد الوقت وهذا زواج متعة وهو محرَّم وما يحدث في بلاد الإسلام من تزوج البعض بنية الطلاق ويتفق مع وليها على ذلك وتعلم المرأة بذلك فهو متعة محرَّم بل إن بعض من يتزوج يطلقها وتتزوج بعد يوم أو يومين تزيد أو تنقص وهذا أمر محرَّم آخر وهو زواج المرأة في عدتها مخالف لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } (235) سورة البقرة وهذه فتوى اللجنة الدائمة حول الفهم الخاطئ لتلك الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية فتوى اللجنة الدائمة: الفتوى رقم (04112):

انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ، فما حكم هذا؟

الجواب: الزاوج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزاج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجة والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } (229) سورة البقرة وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم· اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو /بكر أبو زيد، عضو/ صالح الفوزان، عضو/ عبدالله بن غديان الرئيس عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ·

وأما الزواج الصيفي والسياحي والصديق (الفرند) وزواج نهاية الأسبوع كلها زواجات محرَّمة لأنه لا يوجد بها ولي ولا شاهدي عدل فيها ولأنها زواجات مؤقتة فتكون محرَّمة ومتعة محرّمة بناء على ما تقدم من الأدلة·

وأما زواج المحلل أو التيس المستعار محرَّم ففي “المسند” والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له” قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح· وفي المسند: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً “لعن الله المحلل والمحلل له” وإسناده حسن· وفيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وفي سنن ابن ماجه: من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له” فهؤلاء الأربعة من سادات الصحابة رضي الله عنهم وقد شهدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعنه أصحاب التحليل وهم المحلل المحلل له وهذا إما خبر عن الله فهو خبر صدق وإما دعاء فهو دعاء مستجاب قطعاً وهذا يفيد أنه من الكبائر الملعون فاعلها·

ونكاح الشغار أيضاً نكاح محرَّم قال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد في صحيح مسلم: عن ابن عمر مرفوعاً “لا شغار في الإسلام” وفي حديث ابن عمر “والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق” وفي حديث أبي هريرة “والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي” وفي حديث معاوية أن العباس بن عبدالله بن عباس أنكح عبدالرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبدالرحمن ابنته وكانا جعلا صداقاً فكتب معاوية رضي الله عنه إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما وقال: “هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم” فاختلف الفقهاء في ذلك فقال الإمام أحمد: الشغار الباطل أن يزوج وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما على حديث ابن عمر فإن سموا مع ذلك مهراً صح العقد بالمسمى عنده· وقال الخرقي لا يصح ولو سموا مهراً على حديث معاوية· وقال أبو البركات ابن تيمية وغيره من أصحاب أحمد إن سموا مهراً وقالوا: مع ذلك بضع كل واحدة مهر الأخرى لم يصح وإن لم يقولوا ذلك صح·

“علة النهي عنه” واختلف في علة النهي فقيل هي جعل كل واحد من العقدين شرطاً في الآخر وقيل العلة التشريك في البضع وجعل بضع كل واحدة مهراً للأخرى وهي لا تنتفع به فلم يرجع إليها المهر بل عاد المهر إلى الولي وهو ملكه ليضع زوجته بتمليكه لبضع موليته وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين وإخلاء لنكاحهما عن مهر تنتفع به وهذا هو الموافق للغة العرب فإنهم يقولون بلد شاغر من أمير ودار شاغرة من أهلها: إذا خلت وشغر الكلب إذا رفع رجله وأخلى مكانها· فإذا سموا مهراً مع ذلك زال المحذور ولم يبق إلا اشتراط كل واحد على الآخر شرطاً لا يؤثر في فساد العقد فهذا منصوص أحمد، وأما من فرق فقال إن قالوا مع التسمية أن بضع كل واحدة مهر للأخرى فسد لأنها لم يرجع إليها مهرها وصار بضعها لغير المستحق وإن لم يقولوا ذلك صح والذي يجيء على أصله أنهم متى عقدوا على ذلك وإن لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصح لأن المقصود في العقود معتبرة والمشروط عرفاً كالشروط لفظاً فيبطل العقد بشرط ذلك والتواطؤ عليه ونيته فإن سمى لكل واحدة مهر مثلها صح وبهذا تظهر حكمة النهي واتفاق الأحاديث في هذا الباب انتهى كلامه رحمه الله·

قلت وأي زواج يخترع مخالف للشرع فهو محرَّم وإن كان بعض من يخترع أمراً وهو محرَّم يسميه زواجاً يظن أنه يصبح حلالاً بتسميته نكاحاً وهذا غير صحيح بل هو حرامٌ لأنه يخالف الشرع فالتحليل والتحريم لله ورسوله لأن الأصل في العبادات التحريم والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) ·

* فضيلة الشيخ: نصيحتك للشباب حول هذه الزواجات المحرمة؟

– نصيحتي لهم أن يتقوا الله ويراقبوه ويعلموا أن الحرام لا يحل وإن زينه شياطين الإنس وأقول هل ترضى أخي أن تتزوج ابنتك أو أختك أو أمك بهذه الطريقة؟ لا شك يستحيل أن برضاها إذن أخى عليك أن تتقي الله في أخواتك المسلمات فكيف تحلل لبنات المسلمين

ما حرمته على أهلك·

http://www.aldaawah.com/html/?id=187<br%20/>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى