اخبار عاجلةخطب الشيخ سعد السبر

الدنيا سجن المؤمن الشيخ د. سعد بن عبدالله السبر

الحمد لله جعل الدنيا سجنَ المؤمن وجنةَ الكافر، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ربوبيته وفي أُلوهيته ، وفي أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ، فاتقوا الله واحذروا الدنيا وزينتها فهي زائلة ، ([1] )  .

أيها المؤمنون: إن الله عز وجل حذرنا من الدنيا ومن الإغترار بها وزهدنا فيها، فقال الله تعالى: (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ([2] ) ،وقال تعالي: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ([3] ) وقال تعالى: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ )([4] ) .

أيها المسلمون: إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أن الدنيا سجنٌ للمؤمن وجنةٌ للكافر، وحذّرنا من الإغترار بها، فكان أزهدَ الناس في الدنيا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَعَامٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ ” متفق عليه([5] )  ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم “ أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا مَا يَسرُّكُمْ، فواللَّه مَا الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كَمَا بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا. فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ” متفق عليه([6] )، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنيَا وَزيَنتهَا” متفق عليه ، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه تَعالى مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ” رواه مسلم، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” انْظُرُوا إِلَى منْ أَسفَل منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هَوَ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لاَ تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ” متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ ” رواه البخاري. وقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجنَّةُ الكَافِرِ” رواه مسلم.

إخوة الدين: إن الصحابة اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا والعمل للآخر، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: أَخَذ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَنْكِبَيَّ، فقال: “كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ “.وَكَانَ ابنُ عمرَ، رضي اللَّه عنهما، يقول: إِذَا أَمْسيْتَ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ ومِنْ حياتِك لِموتكَ.” رواه البخاري. قال النووي رحمه الله: قالوا في شرح هذا الحديث معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله ([7] ) .

عباد الله: تورعوا عن الحرام وازهدوا في الدنيا فإنكم لها مفارقون وعنها مغادرون. قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: الورع: أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة، يعني أن يترك الحرام ، والزهد: أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به والذي ينفعه يأخذ به، والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى  ([8] ) .

 

 

 

(([1] سورة آل عمران، آية:102.

(([2] سورة يونس ، آية: 24.

(([3] سورة  فاطر، آية: 5 .

(([4] سورة التكاثر، آية:1-2.

(([5]متفق عليه.

(([6] متفق عليه.

(([7]رياض الصالحين ط الرسالة (ص: 175) .

(([8]شرح رياض الصالحين (3 / 359) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى