واجبنا نحو المعاق & للدكتور محمد المصري

خلق الله بن آدم وفاوت بينهم في القوة والضعف ، والصحة والمرض ، والسلامة والإعاقة وذلك لحكم منها :-
1-امتحان القوي والصحيح والسليم هل شكر نعمة ربه بالصحة ؟ حيث قال نبينا :” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة والفراغ ” .
2-امتحان المبتلى باحتساب ما أصابه عند الله حيث قال نبينا :” يقول الله عزوجل : من أذهبت حبيبتيه ــ أي عينيه ــ فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة ” .
ويقول :” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا لمؤمن ” .
3-أن يعلم العباد أن ما بهم من ضراء فإنها من الله وحده ولا يكشفها إلا هو كما قال سبحانه {الأنعام:17} ، وقد أوجب الله على المبتلى بالإعاقة :
1- الاعتقاد بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما قال الله تعالى {التغابن:11} ، فإذا استقر في نفس المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره وأن الذي أصابه لم يكن ليخطئه ولا مفر منه فإن نفسه تهدأ كما في قراءة وإن كانت الإصابة لاحقة فيقول : اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها كما قال تعالى : {البقرة: 156 – 157} .
ويقول النبي : ” ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : ( إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها , إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها ) .
2-أن يحتسب أجر آلامه ومتاعبه وهمومه , وما قد يفوته من الدنيا عند الله لقول النبي : ” ما يصيب المسلم من نصب , ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ” .
3- أن يعلم أن إيمانه ودينه يطلبان منه بذل جهده في تجاوز إعاقته , واستثمار ما لديه من طاقات فالإعاقة البدنية أياً كانت ليست نهاية العالم , بل هي دافع للمسلم لإعادة تأهيل نفسه لمواجهة الحياة في سبيل الوصول إلى مرضاة الله , وقد قال نبينا : ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير , واستعن بالله ولا تعجز , وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان ” .
وليتذكر أن قادة الإسلام وعلماءه منهم الأعمى والأعمش والأعرج والأصم والأبكم , ولم تمنعهم إعاقتهم عن الوصول إلى أعلى المراتب التي كتبها الله لهم لأن هممهم عالية ففهموا من النصوص الشرعية أن مسؤوليتهم باقية وستسألون عن أعمارهم وشبابهم وعلمهم وأموالهم ما دفعهم إلى نسيان الإعاقة والعمل على الإفادة مما بقي لديهم من طاقات .
أما السليم فيجب عليه أموراً أهمهما : –
1- شكر الله سبحانه وتعالى وحمده على العافية ويقول في نفسه الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لقول النبي : ” من رأى مبتلى فقال : الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً , لم يصبه ذلك البلاء ” ومفهوم الحديث يدل على أنه إن سخر منه فإنه قد يصاب بنفس بلائه .
2- أن يدعو للمبتلى في ظهر الغيب لا سيما إن كان من أهل الدين والتقوى أن يأجره الله وأن يعينه وإن يمن عليه بالعافية فالدعاء هو العبادة وهناك ملك يقول و لك بمثل .
3- العطف على المبتلى والظن أنه قد يكون عند الله خيراً من غيره وأن الله لا ينظر إلى الصور والأجساد ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال {الحجرات:13} .
4- الإحسان إلى المبتلى , والمسارعة إلى نفعه وإعانته إن كان بحاجة لذلك فإن مساعدة المعاق من أبواب الخير التي بينها النبي : ” أن تعين صانعاً أو تصنع لأخرق ” فالخرق نوع من الإعاقة العقلية .
ويدخل في قوله تصنع لأخرق : كل خدمة تقدمها له فدلالة الأعمى على الطريق , ومساعدة الفقير غير القادر على الكسب بتوفير المال له , أو تعليمه صنعة يستغني بها عن سؤال الناس .
ومن الجدير بالذكر أن أصحاب الظروف الخاصة تختلف أحوالهم فمنهم المعاق في عقله الفاقد له وهذا غير مكلف لقول النبي : ” رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يبلغ وزعن المجنون خطأ يوجب الدية ” .
وأما من سوى المجانين فهم مكلفون على قدر استطاعتهم لقول الله تعالى : {البقرة:286} .
وأما الدولة فيجب عليها كذلك تأهيل المعاقين ليستفيدوا من الطاقات الباقية , وتعليم أقاربهم أنجح الأساليب التي تساعدهم على العناية بهم , وتوفير السيارات والعربات المناسبة لهم , وتأهيل الطرق الخاصة بهم , وإيجاد المواقف القريبة من أماكن احتياجاتهم, وتوفير فرص العمل التي تحفظ كرامتهم , وتوعية المجتمع بحقوقهم وليعلم أن وجود الضعفاء وأصحاب الظروف الخاصة رحمة في المجتمع كما قال النبي : ” أبغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ” .
وتقوم الدولة ــ وفقها الله ـ انطلاقاً من رسالتها السياسية وعملاً بالمادة 37 من النظام الأساسي للحكم ( تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض
والعجز والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي , وتشجيع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية ) الخاصة بالمعاقين بهذا الواجب خير قيام كما تقوم الجمعيات الخيرية بمسؤولياتها وتقدم إسهامات رائدة ومتميزة في مجال التخفيف من أعباء المعاقين مستمدة طاقتها من تعاليم ديننا الحنيف الذي يدعوا إلى التكافل ويجث على فعل الخير والبر والإحسان ومد يد العون إلى المعاقين .
وقد قام رجل البر والإحسان صاحب السمو الملكي الأمير / سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض ــ حفظه الله ــ بتأسيس مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ويرأس المركز ابنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان ــ حفظه الله ــ ويقوم بدور فعّال في خدمة المعاقين وتأهيلهم وتوفير فرص تمويل مناسبة لهم والواجب على الأغنياء والموسرين وأصحاب الأموال المساهمة مع هذا المركز وغيره بتقديم العون المادي والمعنوي لهم انطلاقاً من قول النبي : ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بالسهر والحمى ” .
وتطوير أساليب أدائها بشكل مذهل مما يعكس عظيم إحساس المسؤولية فيها بالآلام إخوانهم والذي ترجموه بتخفيف آلامهم ومدّهم بما يزيلها أو يخففها وبقي دور إخوانهم من جميع الطبقات ببذل ما تيسر من أموالهم ولو بالقليل منها : ” ورب درهم غلب مئة ألف درهم ” .
والله أسأل أن يخلف على من بذل خيراً وأن يجعله صلاحاً في ذريته وانشراحاً لصدره ودفعاً للبلاء عنه وشفاءً لدائه وأن يجزي القائمين على المؤسسة خيراً وان يرفع قدرهم في الدنيا والآخرة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه الفقير إلى عفو ربه
المشرف على مستودع الخيرات بالعريجاء
د . محمد جاد بن أحمد صالح المصري