خطب الجمعهخطب الشيخ سعد السبر

وبالوالدين إحسانا – خطب الجمعة

الحمد لله البر الرحيم الرؤوف الحكيم أحمده سبحانه وأشكره على فضله وسابغ عطائه ،وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له في أُلوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل البارين وأرحم الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي حليتكم وزينتكم ونجاتكم ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(1)
خطب الجمعة
أيها المؤمنون إن الله أوجب عليك حقوقا لمن كان سببا بعد الله في وجودك أمك وأبوك هم السبب في وجودك تحملوا الشقاء والنصب أنفقوا أوقاتهم وأرواحهم وقدموا حياتهم لتعيش يتمنون الموت لتبقى ويُحبون البلاء لترقى سعادتهم في علوك وفر حك وشقاؤهم في تعبك وحزنك أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك توجيه نبوي لكل ابن وبنت بأن يبرا أمهما أولا ثم يبرا الأب في عصر طغت فيه المادة ونُسي الوالدان وقدمت الزوجات وأُحب الأولاد وتُرك من الجنة تحت أقدامهما ونُسي بابا الجنة
أيها الأحبة آيات القرآن وصت بالوالدين والإحسان إليهما ولو كانا كافرين قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (2) وقال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (3) (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)(4) قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (5) قيل نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كما روى الترمذي : قال سعد أنزلت في أربع آيات فذكر قصة , وقالت أم سعد أليس قد أمر الله بالبر والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر قال فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي.. … ) (6)
وقال جل ذكره ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)) (7) وقال أيضا ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) ) (8)
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قال رسول اللهﷺ( دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا ؟ فقالوا : حارثة بن النعمان ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذلكم البر كذلكم البر ) (9)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: ( الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: ( بر الوالدين ) قال ثم أي؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله ) (10)
ومن البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال ( نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) (11) وعن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال( رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما ) (12) أي غضبهما الذي لا يخالف القوانين الشرعية كما تقرر فإن قيل : ما وجه تعلق رضى اللّه عنه برضى الوالد قلنا : الجزاء من جنس العمل , فلما أرضى من أمر اللّه بإرضائه رضي اللّه عنه , فهو من قبيل لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس قال الغزالي : وآداب الولد مع والده : أن يسمع كلامه , ويقوم بقيامه , ويمتثل أمره , ولا يمشي أمامه , ولا يرفع صوته , ويلبي دعوته , ويحرص على طلب مرضاته , ويخفض له جناحه بالصبر , ولا يمن بالبر له , ولا بالقيام بأمره , ولا ينظر إليه شزراً , ولا يقطب وجهه في وجهه (13)

أيها الموحدون قال ذو النون ثلاثة من أعلام البر : بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال ، وبر الولد بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير ، وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة (14) ، وطلبت أم مسعر ليلة من مسعر ماء فقام فجاء بالكوز فصادفها وقد نامت فقام على رجليه بيده الكوز إلى أن أصبحت فسقاها وعن محمد ابن المنكدر قال : بت أغمز ( المراد بالغمز ما يسمى الآن بالتكبيس ) رجلي أمي وبات عمي يصلي ليلته فما سرني ليلته بليلتي ، ورأى أبو هريرة رجلا يمشي خلف رجل فقال من هذا ؟ قال أبي قال : لا تدعه باسمه ولا تجلس قبله ولا تمش أمامه (16)

——————————————————————————–
(1) سورة الزمر ،الآية61
(2) سورة البقرة ، الآية 83
( 3) سورة النساء، الآية 36
(4 )سورة الإسراء ، الآية 23-24
(5) سورة العنكبوت ، الآية 8
( 6) رواه ابن وهب في الجامع وأحمد في المسند ــ باقي مسند الأنصار برقم 22951 والبغوي في شرح السنة ، وابن النجار في ذيل التاريخ (10/134/2) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم 201999 ، والحاكم (3/208) وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في الإصابة (1/ 618) إسناده صحيح ، قال الصدر المناوي وغيره : وصح لنا برواية الحاكم والبيهقي أن قوله كان أبر الناس من كلام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وليس بمدرج ثم بسطه ، وقال الألباني إسناده صحيح على شرط الشيخين السلسلة الصحيحة برقم 913 ، صحيح الجامع برقم 3371 ، مشكاة المصابيح برقم4854
(7) سورة الأحقاف، الآية 15-16
(8)سورة لقمان الآية 14- 15
(9)رواه البخاري ــ كتاب مواقيت الصلاة برقم 496
(10)رواه مسلم ــ كتاب الإيمان برقم 130
(11)رواه الطبراني (صحيح) انظر حديث رقم: 3507 في صحيح الجامع.السيوطي / الألباني
(12)فيض القدير للمناوي 2/528
(13)شعب الإيمان ج: 6 ص: 187
(14)شعب الإيمان ج: 6 ص: 207 برقم 7920
(15)الآداب الشرعية ــ ابن مفلح ج1 ص 479

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى