وتحسبونه هينا – خطب الجمعة

شبكة السبر – خطب الجمعه
كتبه د/ سعد بن عبدالله السبر
20/8/1432
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله
الحمد الله خلق الإنسان في أحسن صورة وأفضل تقويم وجعل له لسان وشفتين وهداه النجدين أحمده سبحانه مداد تعاقب الليل النهار ، وأشكره على نعمه الكبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار تقدس وتنزه عن الأشباه والنظائر والأمثال ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله النبي المختار ،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليم كثيرا إلى يوم الدين
أما بعد : فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل في الإعلان والإسرار وفي الليل والنهار فهي بضاعة المتقين الأخيار ودليل الأبرار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (1)
أيها المسلمون : إن الله خلق الإنسان فجعله سميعا بصير وجعل له لسانا ينطق به ويعبر عن ما في نفسه فإما خير وإما شر ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ) (2) فالخير طاعة الله وذكره وسائر سبل الخير والشر متعدد ومتنوع ومن شرور اللسان الشرك والقذف والغيبة والنميمة والكذب والإفساد بين الناس ، وقول الزور والبهتان .
إخوة الدين :لقد قُذفت أمنا عائشة رضي الله عنها وابتليت وابتلي نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وصبر وصبرت حتى أنزل الله طهارتها وبراءتها من السماء وهذه سنة الله في المتقين يبتليهم ثم تكون العاقبة لهم (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (3) صبرت واحتسبت حتى ذهبت لأهلها ، والنبي صابرا محتسبا لم يشك فيه ولكن نقلة الكلام وقذفت الناس لم يتركوها ولكن الله ناصر عباده المتقين ومنتقم لهم ومثبتهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة
أيها الأحبة : إن يوسف عليه السلام لما رمي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد ، وإن مريم لما رميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى صلوات الله عليه ، وإن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله تعالى بالقرآن ؛ فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان (4) ؛ لأن الله يثبت المتقين وينصرهم حلت بها الهموم والكروب والغموم بلاءٌ عظيم فتقول ما أقول لكم إلا كما قال يعقوب لبنيه ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) (5)
أيها المؤمنون : إن القذف كبيرة من الكبائر حرمها الله وحرمها رسوله أجمع العلماء على تحريمه
قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (6) قال القرطبي تضمنت الآية في القاذف جلده ، ورد شهادته أبدا ، وفسقه (7) فالقاذف يجلد وتُرد شهادته ويُفسق إلا أن يتوب ، ثم يوم القيامة تشهد عليه جوارحه إن لم يتب (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(8) أي بقذفهم المسلمين وآذيتهم لهم . «قال ابن كثير في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ …: هذا وعيد من اللّه تعالى للّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات» (9) .
«وقال أيضا: وهي عامّة في تحريم قذف كلّ محصنة ولعنة من فعل ذلك في الدّنيا والآخرة» (10) . وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه قال: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثمّ طرح في النّار»)(11) ، ولقد حرّم رسول الله القذف ونهى عنه فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه
قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات». قيل:يا رسول اللّه وما هنّ؟ قال: «الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم.وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (12)وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : الزنا أشد من القذف والقذف أشد من الشرب (13)وقال الثوري : ضرب القذف أشد من ضرب الخمر (14)
إخوة العقيدة عدّ ابن حجر من الكبائر قذف المحصن أو المحصنة بزنا أو لواط أو السّكوت على ذلك، وقال أجمع العلماء على أنّ المراد من الرّمي في الآية الكريمة إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ .. هو الرّمي بالزّنا وهو يشمل الرّمي باللّواط كقوله: يا زانية، أو بغيّة، أو قحبة، لها أو لزوجها كقوله: يا زوج القحبة، أو لولدها كياولد القحبة .. ثمّ قال: عدّ القذف كبيرة هو ما اتّفقوا عليه، لما نصّت عليه الآيات عن لعن فاعله في الدّنيا والآخرة وهذا من أقبح الوعيد وأشدّه (15)
أيها الأحبة :إن كثيرا من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و الآخرة و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال : (16) كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه حديث كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه (17)فكيف الصالحون والعلماء والأمراء والوزراء والولاة والجيران والمصلون ويتفقه العصاة بسبهم وقذفهم واستنقاصهم والسخرية منه
عباد الله : قال بعضهم أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس وقال ابن عباس إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك وقال أبو هريرة يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين نفسه وقال عمر رضي الله عنه عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء نسأل الله حسن التوفيق لطاعته (18) طاهر الفطرة: لا تتدنس بأنجاس الزلل، شمر أذيال التقى عن مزبلة الهوى، واحذر رشاش الخطأ أن ينتضح أثواب النظافة وحل التكليف يحتاج إلى قوة التحرز، فانظر بين يديك (فَإِن زَلَلتُم مِن بَعدِ ما جاءَتكُم البَينات) فعيون العيون تغسل أدران القلوب.
كان أول أمرك سليما يوم (وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم) فأصلح آخر أمرك تسامح في الوسط. يا طويل الغيبة عن وطن (أَلَستَ) أين حنين شوقك (19) اعلم رحمك الله، أن النميمة تفسد الدين والدنيا، وتغيّر القلوب، وتولّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات. قال الله العظيم:(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ.) (20) (21).
أعظم المغبونين حسرة من نفع كده لغيره. أفضل أعمال البخيل الصدقة لأنه يحارب شيطانين أصغرهما إبليس، وأعظمهما النفس وجنودها، ومن يقوى بأسد الحرص، وكلب الهوى، وخنزير الشره؟؟ ا مدد يديك بالصدقة فإن لم تطق فاكففهما عن الظلم، أطلق لسانك بالذكر، فإن لم تطق فاحبسه عن الغيبة والنميمة (22)
——————————————————————————–
(1) سورة آل عمران ، آية : 102 .
( 2) سورة البلد ، آية :8-9 .
(3) سورة الأعراف ، آية : 128 .
(4) تفسير القرطبي (12 / 212
(5 ) سورة يوسف ، آيةة : 18 .
( 6) سورة النور ، آية : 4-5 .
(7) تفسير القرطبي (12 / 179
(8) سورة النور ، آية : 24.
(9) تفسير ابن كثير (3/ 276)
(10) انظر تفسير ابن كثير (3/277 )
(11) مسلم (2581
(12) البخاري- الفتح 5 (2766)، ومسلم (89)
(13) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي – (10 / 634
(14) تفسير القرطبي 12 / 163
(15) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 11 / 5312
(16)الكبائر للذهبي 1 / 92
(17) أخرجه مسلم من حديث أي هريرة
(18) إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي 4 / 242
(19) اللطائف لابن الجوزي 1 / 19
(20) سورة القلم ن آية : 10 .
(21) بحر الدموع لابن الجوزي 1 / 94
(22) اللطائف لابن الجوزي 1 / 24